
الذي أضحى يؤطر النقاش الوطني الجاري حول المسألة التعليمية، سواء في لقاءات المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أو في الصحافة الوطنية. وقد قدمت الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية ملامح عن تصورها للإصلاح التربوي، في كلمتها بالمجلس الأعلى للتعليم في جلسة الاستماع، التي استدعيت إليها ثلة مختارة من مكونات المجتمع المدني.
وضمن قضية للمناقشة نطرح موضوع إصلاح النظام التربوي المغربي للنقد البناء والنقاش العلميالهادئ والهادف، ولتقديم أفكار ومقترحات إسهاما منا قدر المستطاع في بلورة رؤيا وطنية قادرة على إخراجه من دائرة الارتباك والتعثر.
وبداية نقتطف من الخطاب الملكي بعض الإشارات التي ترسم آفاقا للإصلاح التربوي المنشود:
ü كما يجب أن تهدف (المنظومة التربوية) إلى تمكين الشباب من تطوير ملكاتهم٬ واستثمار طاقاتهم الإبداعية٬ وتنمية شخصيتهم للنهوض بواجبات المواطنة، في مناخ من الكرامة وتكافؤ الفرص٬ والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية..
ü ينبغي إعادة النظر في مقاربتنا٬ وفي الطرق المتبعة في المدرسة٬ للانتقال من منطق تربوي يرتكز على المدرس وأدائه٬ مقتصرا على تلقين المعارف للمتعلمين٬ إلى منطق آخر يقوم على تفاعل هؤلاء المتعلمين٬ وتنمية قدراتهم الذاتية٬ وإتاحة الفرص أمامهم في الإبداع والابتكار..
ü إن الأمر لا يتعلق إذن٬ في سياق الإصلاح المنشود٬ بتغيير البرامج٬ أو إضافة مواد أو حذف أخرى٬ وإنما المطلوب هو التغيير الذي يمس نسق التكوين وأهدافه. وذلك بإضفاء دلالات جديدة على عمل المدرس لقيامه برسالته النبيلة٬ فضلا عن تحويل المدرسة من فضاء يعتمد المنطق القائم أساسا على شحن الذاكرة ومراكمة المعارف٬ إلى منطق يتوخى صقل الحس النقدي٬ وتفعيل الذكاء٬ للانخراط في مجتمع المعرفة والتواصل..
ü إن شبابنا يتطلع إلى إيجاد الظروف المثلى التي تساعده على تحقيق الذات٬ وتحمل المسؤولية٬ويحذوه الطموح المشروع إلى تحقيق اندماج أفضل على الصعيدين الاجتماعي والمهني٬ ولاسيما عبر خلق آفاق أوسع لفرص الشغل..
ومن كلمة الجمعية في جلسة الاستماع بالمجلس الأعلى نورد الملاحظات التالية:
1)ملاحظات عامة
vيعود فشل التعليم ببلادنا إلى افتقاد توجه إصلاحي شامل وملائم للهوية المغربية يؤطر حركة الدولة والمجتمع في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والتربوية وغيرها. فالتوجهات العامة السائدة تحاول مجاراة الفكر الأجنبي على حساب ثوابت الأمة ومقوماتها الحضارية، مما يجعلها هجينة ومشوشة وغير قادرة على تعبئة المغاربة في معركة النماء والبناء.
vفي كل إصلاح ينصرف التغيير إلى الجوانب الشكلية التقنية والتنظيمية ويتم إغفال العنصر البشري من إداريين ومؤطرين وأساتذة وتلاميذ الذين لايملكون الاستعداد للتفاعل الإيجابي مع المناهج الجديدة التي تنزل عليهم من فوق دون أن يراعى فيها شرط التجاوب مع واقعهم وتطلعاتهم وانتظاراتهم.
vانعدام التناسق والتكامل بين المضامين الفكرية لمختلف مناهج المواد الدراسية المقررة، وبين ما يعلم في المدرسة وما يبث في وسائل إعلامنا المختلفة من قيم وسلوكات سلبية ومجافية لخصوصياتنا الدينية والحضارية.
vإن فشل تعليمنا في تحقيق النهضة التنموية المنشودة يعود أساسا إلى تهميش قيمنا الإسلامية وتخفيف حضورها في مادة التربية الإسلامية وفي غيرها من المواد الحاملة للقيم، تلكم القيم القادرة وحدها على إيقاظ الضمير وتنمية أخلاق المسؤولية أمام الله قبل المجتمع وترسيخ قيم الإبداع والإنجاز والإنتاج في شتى مجالات التنمية البشرية والمادية وربطها بالمنافع الاقتصادية ونيل الأجر الجزيل في الآخرة.
vإن انتماء منظومتنا التعليمية للأمة لايصح ولا يكتمل حتى يكون تدريس جميع المواد وفي مختلف المراحل الدراسية الثانوية والجامعية باللغة العربية التي شرفها الله وفضلها على جميع اللغات بجعلها وعاء لدينه الخاتم.
فهي بذلك لغة كونية وعالمية قد جمعت إبان ازدهار الحضارة الإسلامية بين استيعاب علوم الدين والدنيا معا، ونبغت في أحضانها مختلف العلوم والمعارف، وهي قادرة على مواصلة عطائها المزدوج في العصر الحديث إذا خلصت الإرادات وتجددت العزائم.
2)ملاحظات على سبيل التفصيل،ومنهااختلالات تهم المضامين والقيم:
vفعلى المستوى البداغوجي أقل ما يقال في الفلسفة المؤطرة لمختلف المواد أنها لا تستلهم نفس المرجعيات بشكل متجانس بل هناك تعامل بنوع من الدهاء والتلفيق الإيديولوجي، وذلك بهدف إخراج جيل هجين لا يرتبط بعقيدته الدينية وهويته الحضارية إلا برباط واه أو مشوه فيه من التشكيك والنقد أكثر مما فيه من الاقتناع والاعتقاد.
vنشعر أن الهوية الإسلامية ليست روحا تسري بما فيه الكفاية في مجمل المنظومة التربوية والتعليمية لبلادنا ولا تناسب شمولية التوجيه الرباني للإنسان بما يؤهله لحياة طيبة في الدنيا وسعادة في الآخرة؟
vنشعر بأن منظومتنا التربوية لا تؤدي وظيفتها على الوجه الأكمل ولا ترتبط بشكل واضح ومتين بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ولا تعايش في الأغلب الأعم مشكلات مجتمعنا؟
vضعف مكانة التربية الإسلامية في منظومتنا التعليمية، وضعف مسايرتها للمستجدات، وضمور الجانب التربوي بمحدودية أثره في سلوك المتعلمين.
vضعف مستوى تدريس المادة الإسلامية، وحاجة مناهجها وطرقها البيداغوجية ووسائلها التعليمية إلى مزيد من التطوير وحاجة أطرها إلى التأهيل لكسب رهان الجودة ؟
vضعف وفاء المنهاج التربوي للأصول وعدم تحقيقه للمعلوم من الدين بالضرورة لدى المتعلم وضعف مساهمته في التأهيل للقيام بفروض العين وفروض الكفاية بحسب المنظور الإسلامي.
ولإذكاء النقاش حول موضوع الإصلاح التربوي الشامل للمنظومة نطرح التساؤلات التالية:
vإلى أي حد يمكن اعتبار الإشارات الملكية دليلا على حسم التوجه العام لتطوير منظومتنا التربوية وإخراجها من أزمتها الحالية؟
vما هو السبب الأساس في توالي إخفاق مشاريع إصلاح المنظومة التربوية في مغرب ما بعد الاستقلال.
vتتعدد مظاهر فشل التربية المغربية في بناء المواطن الصالح فماهو نصيب قطاع التربية والتكوين والرؤيا المؤطرة له من المسؤولية عن هذا الفشل؟
vما هي التعديلات اللازم إجراؤها على مستوى النظرية التربوية العامة والطرائق البيداغوجية والتنظيمات الهيكلية لتأهيل الشباب لاكتساب قيم الحرية والمسؤولية وحب العمل والإنجاز وامتلاك كفاءات التفكيروالإبداع؟
vكيف تفند التوجهات التي تزعم بأن تعريب التعليم من الأسباب المباشرة لتعثره وفشله؟
من هنا نبدأ
الأستاذ: سعيد لعريض
عضو المكتب الوطني للجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية
والكاتب المحلي لفرع آسفي
في ظل العشرية الأخيرة من تطبيق المخطط الإستعجالي وما لاقى من إخفاقات في التنزيل، بسبب زحمة مشاريعه التي غلب عليها طابع الاستعجال، وغياب حكامة جيدة في التدبير والتنفيذ، وماصاحب ذلك من صرف لأموال طائلة دون بلوغ المرامي التي من أجلها استعجل أصحابها إنقاد المنظومة التربوية التي أقر بفشلها وأزمتها الداخل والخارج، وجعلت المغرب يحتل المرتبة الحادية عشرة من أصل أربعة عشرة، آن الأوان، بعد هذه التجارب المستوردة للنظم التربوية والتعليمية من خارج المغرب، إلى التفكير في إصلاح تربوي وإقلاع تعليمي ينطلق من خصوصية المجتمع المغربي، ويستقرئ وحركيته التغييرية التي فرضها الربيع العربي، ويراعي الوتيرة المتسارعة للاحتراب المجتمعي والارتجاجات السياسية في قطاع التعليم منذ الاستقلال.
إن الأمم الواعية حين تحس بأزمة ما أو خلل معين، فإن أول شيء تقوم به هو تشخيص القيم الثقافية السائدة والنظم التعليمية القائمة. وهو ما يعني اعتماد مبدإ المراجعة والتقييم للنظم التربوية والتعليمية بشكل دوري، وهوما قامت به اليابان إثر هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، وقبلها الولايات الأمريكية لما رأت استباقية الإتحاد السوفياتي في النزول على سطح القمر، وهو ما دفع بمجموعة من الدول الإسلامية إلى ضرورة مراجعة برامجها ومناهجها من أجل مسايرة الركب الحضاري، والمد التطوري. لقد أصبح الوعي ملحا أن الخروج من الأزمة التي يتخبط فيها المغرب، ونقطة الانطلاق في الإصلاح والتغيير إنما يبدأ من محاضن التربية والتعليم، وتنتهي عندها دون استصغار أو التقليل من المواقع الأخرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لأن مشاكل التعليم تتداخل مع غيرها من المجالات ولايمكن معالجتها خارج السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وإن ذهابنا إلى أن مجال التربية والتعليم هو منطلق كل تغيير وإصلاح هو ما أجمع عليه المختصون في علوم التربية والاجتماع: أن أي إقلاع حضاري يبدأ بالنفوس أولا أي بحلقة الفكرة، ثم بحلقة الإرادة، ثم حلقة التنفيذ والممارسة. وهي حقيقة أكدها القرآن الكريم (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حثى يغيروا ما بأنفسهم) الأنفال الآية 35. فجميع المجالات تابعة للشأن التعليمي لأن فسادها من فساده، وصلاحها من صلاحه. لذلك خاطئ من يتوهم أن التغيير والإصلاح يمكن أن يتم خارج مواقع التعليم؛ لذلك جاز لنا أن نعتبر التربية والتعليم هي التنمية بكل أبعادها، فالمدرسة والمعهد والجامعات… هي منطلق القادة التربويين والاجتماعين والسياسيين والاقتصاديين والإعلاميين والعسكريين.
أصبح لزاما على المسؤولين على قطاع التربية والتكوين دراسة مشكلاته بعمق وموضوعية، وتحديد أسباب نجاحه انطلاقا من مواطن الخلل التي وقفنا عليها في استعجال الإصلاح، مع أن ميدان التربية والتعليم من الصناعات الثقيلة والبطيئة التي تحتاج إلى زمن كاف يؤدي إلى النمو والرقي، بدل الاستعجال الذي يؤدي إلى الارتكاس والسرعة في التنفيذ دون تحقيق أهداف ومرامي التعليم.
كما أصبح الأمر ملحا إلى عقد حوار وطني حول التعليم ببلادنا، ينطلق من مرجعيتنا الإسلامية، وخصوصيتنا الوطنية، وهويتنا المغربية، مستحضرا غناء وتنوع ثقافاته، وإمكاناته البشرية الهائلة. فنحن نملك كل المقدرات التي تجعلنا رائدين وقوة عظمى: نملك الثروات الهائلة البحرية والبرية المتكاملة، ونملك الموقع الاستراتيجي الذي يفتح شهية كثير من الدول للتعامل معنا، ونملك القوة الضاربة من الشباب الذي أعياه الانتظار والتفرج على أحلامه تسرق من بين أنامله، من قبل طغمة متنفذة همها تكديس الثروات، والإفساد في الأرض، وتحويل أموالها وأولادها إلى دول الغرب لإعادة سياسة التحكم في دواليب الحكم.
فنحن في المغرب أمام تناقض حاد بين قدراتنا الهائلة التي نمتلك وبين عجز كبيرعن الاستفادة من هذه القدرات. فنحن أمام عطالة ضخمة تضيع علينا فرصة ركوب التنمية والرقي والإقلاع المدني والحضاري؛ فالعطالة والبطالة بأبعادها المعنوية والمادية ضاربة في أعماق بنية السياسة المغربية، وما الوقفات والاحتجاجات والاعتصام لسواعد الأمة وأطرها ورأس مالها أمام البرلمان، إلا خير دليل على السياسة العرجاء المتبعة من قبل الدولة، التي أصمت آذانها، ودفنت رأسها في الرمال، منتهجة سياسة الهروب إلى الأمام، متجاهلة آمال الشباب وأحلامهم، متعللة بالمقولة المشهورة ” كم من حاجة قضيناها بنسيانها”.إن عجز الدولة عن استثمار مواردها البشرية ومقدراتها المادية راجع بالأساس إلى القصور الكائن في السياسة التعليمية المتبعة، التي يلزم أن تعكس فلسفة المجتمع التي تمد الإنسان المغربي بالقيم الإسلامية وثوابته الحضارية، والمتغيرات الدولية، وتزوده بالكفايات والقدرات الوقتية وتنمني فيه المهارات الإبداعية.
لقد أثبتت التقويمات الدولية والمحلية أن أزمة التعليم في المغرب هي أزمة بنيوية ومركبة، مما شكل له صدمة كبيرة، يتطلب معها الأمر إعادة النظر في المنظومة التربوية، فرصدت لها أموال طائلة علها تجد الوصفة السحرية للأزمة التعليمية، فراحت تستورد نظريات وبرامج ومناهج أعدت لغير مجتمعنا، فزادت الأزمة تأزما والحال خبالا، لأن هذه المستوردات لا مشروعية لها في قيمنا الإسلامية وميراثنا الثقافي ونظامنا الأخلاقي. وتفنن المشرفون على قطاع التربية والتعليم في استيراد خبراء تشكلوا في بيئات غير بيئاتنا، أغدقوا عليهم أموال الشعب فأضعنا المال وخسرنا الأجيال.
إن من شروط البدء في إصلاح التعليم هو وضعه في إطار نسبية الإصلاح الديمقراطي الذي عرفته بلادنا مؤخرا،من خلال التعبئة الشاملة لكل قوى البلاد، وفي مقدمتها الكفاءات العالية والأطر المدربة والسواعد القوية والشباب العاطل من ذوي النيات الحسنة، الغيورة على البلاد، وهو أمر لن يتأتى إلا بتوفير مساحات واسعة للحوار حول مستقبل التعليم بالمغرب؛ وذلك من أجل صياغة نظرية تربوية منطلقة من ذاتنا، تراعي خصوصية واقعنا الغني والمتنوع في مرجعيته التربوية منذ بدء الإسلام إلى يومنا هذا.
إن العملية التعليمية والتربوية عملية متراكمة يساهم في بنائها كل الفاعلين، يأتي في مقدمتهم نساء ورجال التعليم، وهي ثمرة لرؤية جماعية، فما لم تشرك الهيأة التربوية والإدارية لرجال التعليم تظل المسألة التربوية والتعليمية ناقصة ولن تنجح في بلوغ مراميها وأهدافها،وقد تتباطأ نتائجها.
إن البدء بإصلاح التعليم لن يتم دون إدراك مقاصده وأهدافه، وماذا نريد منه، وبأية كيفية يتحقق؟ وأي تعليم لأي مجتمع؟ وهو أمر غفل عنه المسؤولون الذين راحوا يغترفون من الآخر دون اعتبار من هو؟ ماهي عقيدته ونظامه الأخلاقي ؟ مما يجعل فلسفته التربوية تفتقد المرجعية القيمية التي يدين لها المغرب، فضلا عن كونها تتجاهل مشكلات المجتمع وموروثاته الثقافية، وللأسف يتم استدعاء الآخر والاحتماء به عند العجز والضعف والعقم، ونحن هنا لا نتنكر لسبق الآخر وتقدمه، ولا ندعو للانغلاق وعدم التفتح والاستفادة منه، فهذا لا يقول به مسلم عاقل يعرف أن الحكمة ضالته أنى وجدها فهو أحق بها، وأن العلم مطلوب ولو بالصين رغم بعد المسافة..إنما ندعو لغربلة منتوجه ووضعه ضمن سياقات مجتمعية معقولة تتيح لنا الحفاظ على هويتنا الإسلامية، ويأخذ بعين الاعتبار خصوصيات واقعنا المغربي، ويحقق لنا التقدم والتطور المنشود.
إلى المجلس الأعلى للتعليم: حتى لا نخطئ الموعد مرة اخرى
د.فؤاد بوعلي
منذ الإعلان عن إحياء المجلس الأعلى للتعليم والآمال معقودة على ما ستخلص إليه
الجلسات التشاورية التي فتحها مع الهيئات المؤسساتية والجمعوية. وفي بلاغه الموزع على الصحافة والإعلام، رسم خارطة للطريق تروم تأهيل المنظومة التربوية من خلال تشخيص موضوعي ودقيق ومتقاسم من قبل الجميع وتقديم مقترحات توافقية وواقعية من أجل رد الاعتبار للمنظومة التربوية وإعادة تأهيلها.
قد لانختلف كثيرا حول أمرين أساسيين: أهمية التعليم في مسار التنمية واستقلالية القطاع عن كل المزايدات الإيديولوجية والسياسية. فالميدان أكبر من مجرد حسابات نخبوية أو قناعات ذاتية بل هو ركن رئيس في كل إقلاع اقتصادي ومجتمعي إن صدقت النوايا، لذا فالإشارات الملكية إلى ضرورة الارتفاع بالقطاع عن كل التيارات والجماعات والحسابات الفئوية هو أمر وجب ترسيخه في كل البرامج المقترحة. كما أننا لا نختلف حول الواقع الكارثي للتعليم المغربي وما يعانيه على كل الأصعدة مما جعلنا نتخلف عن الركب العالمي. لذا فإن فتح هذا الورش الكبير ينبغي أن يؤطر بمبادئ أساسية حتى لا نخطئ الموعد مرة أخرى، وإن كنا قد تعودنا في الحالة المغربية على مسار طويل من الفرص الضائعة في كل المجالات ونتيه في التفاصيل وبعد مدة نعود إلى نقطة الانطلاق. مبادئ تجعل من خلاصات المجلس عناصر مرجعية تؤسس لمرحلة التغيير الحقيقي وليست اجترارا للأزمة وتسويفا للحل. فالمجلس الذي بعث بعد طول رقاد ومعه بعثت حالة من النقاش العمومي، التي تبدو في الظاهر صحية وجيدة، لكنها تخفي انقلابا على ثوابت الإصلاح الحقيقية يلزمه الاسترشاد بعناصر مؤطرة نختزلها في:
1)في القضايا الاستراتيجية يكون المجتمع هو الفيصل والقادة مدبرين للنقاش ومعالجين لمنهجيته. فالتعليم الذي طالما تغنينا بأهميته ومصيريته وكارثيته لا ينبغي أن يعالج في البيوتات المغلقة والمكاتب الفارهة وندوات المقربين مثل ندوة البيضاء، ولكن من خلال الاطلاع الميداني على المشاكل الحقيقية وإشراك الجميع. صحيح أن المجلس دشن موقعا للتواصل وبدأ في اللقاءات التشاورية مع بعض الجمعيات والفعاليات، لكن السؤال الذي يطرح هو: ماهي معايير الاختيار؟ وكيف التعامل مع مقترحات المواطنين؟ وهل فعلا سيتم التعامل معها كما يتعامل مع آراء ذوي القربى المعرفية والمصلحية؟
2)ربط التعليم بالتنمية أساس ضروري لنقل المجتمع نحو مجتمع المعرفة.فارتباط التعليم بالاقتصاد يمثل الجزء الأكبر من هذه المسألة. ذلك أن الشراكةَ(Partnerships)بين المؤسسات التعليمية والفعاليات الاقتصادية هي شراكةٌ أساسية وهامة في عملية التنمية. لكن أي تنمية لا تتحقق في غياب عمق هوياتي حقيقي وانتماء إلى ثوابت الوطن والأمة. وكل من رام قطع المجتمع عن عمقه وربطه الميكانيكي بالمركز سيجد نفسه أمام نماذج إنسانية مشوهة معرفة وانتماء. فلا وجود للوطن إلا داخل دائرة انتمائه الحقيقي.
3)هل نحن في حاجة إلى تشخيص جديد؟ وهل سنعيد نفس المسار التشخيصي الذي يقدم الحلول ويتوقف دون التنفيذ؟ إن المشكلة الحقيقية ليست في التوصيف بقدر ماهي متعلقة بإرادة التغيير والجرأة على إنجاز البرامج واختيار الأشخاص المناسبين للمواقع الحساسة بعيدا عن منطق الولاءات والانتماءات الضيقة التي تحكم عادة الاختيارات الفوقية. إن ما يعانيه التعليم من أعطاب ذكرت بعضها الكثير من التقارير، في الحكامة والجودة والموارد البشرية والمالية، ترتبط في جزء كبير منها بشمولية الأزمة التي تصيب الإدارة المغربية لكن في جزء آخر بعدم قدرة الفاعل السياسي على فهم جوهرية القطاع وحيويته. لذا فإنتاج نفس المشاريع بنفس الوجوه لن يغير في المسألة.
4)ركزت جل النقاشات على المسألة اللغوية. فالأصوات القريبة المبشرة بالعودة إلى الوراء بغية فرض اللغة الأجنبية والتي تتحرك في كواليس الإدارات للبدء في مسار من “المجزرة اللغوية” تحت مسمى الانفتاح سيجعلنا أمام خلخلة حقيقية من الصعب على المجتمع القبول بها. فمن الناحية المبدئية والعلمية كلالأبحاث تؤكد أن أساس التنمية قائم على تعميم الثقافة العلمية والتقنية بين شرائح المجتمع كافة وعدم حصرها في فئة قليلة، وهذا لا يتم إلا باللغة الوطنية. أما إذا استُخدِمت لغة أجنبية، فإن المعرفة تبقى مقتصرة على نخبة صغيرة، وتؤدي زيادة على التخلف إلى طبقية فجة في المجتمع. فالمجتمعات المتقدمة ليست هي التي تتوفر على العلم والتقنية والدخل الاقتصادي الهائل فقط وإنما هي أيضا المجتمعات التي تأخذ فيها اللغة والثقافة الوطنيتان أولوية الاستعمال على أي لغة وثقافة أجنبيتين.فمن “المداخل الرئيسة لتمكين المجتمع في عالم التنمية الذي يقوم أساسا على تدبير المعلومات ونشر المعرفة وإنتاجها وتوظيفها في جميع مجالات النشاط المجتمعي: في الاقتصاد والمجتمع المدني والسياسة والحياة الخاصة، مدخل اللغة باعتبارها أداة لإدراك هذه المعلومات والمعارف ونقلها والتفاعل معها. فاللغة باعتبارها وسيلة لربط الإنسان بالواقع، على العموم، وبتدفق المعارف والمعلومات فيه، على الخصوص، بعيدة كل البعد عن الحياد لاعتبارين متلازمين: اعتبار معرفة اللغة واعتبار لغة المعرفة”
إن الدور التاريخي للمجلس باعتباره مؤسسة دستورية ذات وظيفة استشارية تستقي شرعيتها من وظيفتها وليس من شعبيتها ينبغي ألا ينسيه الأبعاد الحضارية لكل الاختيارات. فمن تصور أنه يمكن تحقيق التنمية بدون العربية فقد أضاع الطريق، ومن تصور أن الفرصة قد حانت للانقضاض على التوافقات المجتمعية وتقديم فروض الولاء للمركز الفرنكفوني بعناوين مختلفة فهو واهم, لأن المجتمع اختار قبل قرون ولا يمكنه التنازل عن اختياراته.
هذه تذكرة حتى لا نخطئ الموعد مرة أخرى.
{jcomments on}