إن المتتبع لمسار نظامنا التعليمي ليدرك المجهودات المبذولة من أجل تطويره وجعله مواكبا للتغيرات المجتمعية والدولية، من خلال محطات إصلاحية متعددة،
وكان أساس كل إصلاح هو الاهتمام بالفئة المستهدفة من التربية والتكوين من حيث جعلها مركز اهتمام المنظومة التربوية،وجعل كل المداخل والوسائل والموارد مسخرة لغاية تحقيق هدف جعل المتعلم في بؤرة العملية التعليمية. وهذا ما حاول ترسيخه الميثاق الوطني للتربية والتكوين والكتاب الأبيض، وكذا مختلف الكتب المدرسية المنتجة انطلاقا من غايات و مرتكزات الميثاق.
بجانب هذا المعطى نجد عاملا آخر مواز لكل إصلاح يحاول هدمه و يترصد به من أجل إفراغ محتواه ذلك الجانب هو ظاهرة الغش السرطانية التي تفشت في مختلف محطات التقويم والامتحانات وتهدد نظام التقويم و مصداقية الاستحقاقات و الشهادات…
لا شك أن الكل يعتبر – ولونظريا أو قيميا – الغش ظاهرة سلبية في المجتمع لما لها من آثار نفسية، تربوية ، اجتماعية ، حقوقية …
فمن الزاوية الدينية نجد الغش محرما في كل الشرائع ، خاصة الشريعة الخاتمة حيث حذّر النبي r من الغش وتوعّد فاعله، وذلك أنه r مر على صُبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً. فقال: “ما هذا يا صاحب الطعام؟
قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني “وفي رواية “من غشنا فليس منا ” وفي رواية أخرى “ليس منا من غشنا ” (رواه مسلم). وذلك باعتبار الغش والخداع يتنافى مع سلوك المسلم وعقيدته وقيمه القرآنية الإيمانية…
و من الناحية التربوية يؤدي الى عدة مهالك على مستوى التلميذ الغاش نفسه وعلى مستوى تكافؤ الفرص وعلى مستوى مصداقية النتائج وتربية أجيال المستقبل…و من الناحية الاجتماعية يؤدي الى إفساد و تخلف المجتمع خاصة من الفئة المنتظر إسهامها في إصلاحه و تطويره و تحديثه …
و ظاهرة الغش في المجال التربوي نجدها حاضرة في كل الامتحانات و المباريات، في الامتحانات الإشهادية و مباريات التوظيف وامتحانات الكفاءة التربوية والمهنية . ولعل كل من حضر امتحانا ما، سواء أكان مراقبا أم ملاحظا أم رئيس مركز يحس بمرارة ما أصبحت عليه امتحاناتنا. إنها ظاهرة اجتماعية بامتياز، ألفها المجتمع في كل قطاعاته ، و يحاول التعايش معها، ولا تقتصر في مجال التقويم والامتحانات على الكسالى الذين يعتمدون عليها لتغطية ضعفهم و تهاونهم الدراسي؛ بل نجدها حتى لدى بعض المتفوقين حفاظا على تفوقهم في إطار المنافسة والتنافس على المعدلات (حالة التلميذ الحاصل على معدل 17.52 في شعبة الكهرباء التقنية الذي وجد نفسه خلف قضبان السجن بعد ضبطه في حالة غش ) .
إن الحالة التي أصبحت عليها الامتحانات الإشهادية لا يرتضيها كل مخلص من أساتذتنا وأستاذاتنا ومديرينا و مفتشينا… كما أننا لا نرتضيها لمجتمعنا الذي يطمح ويعمل من أجل الإصلاح و محاربة الفساد . فالمرونة والتساهل في ضبط الغشاشين، وتقديم المساعدة لبعض التلاميذ، وكتابة الإجابات على السبورة ( امتحانات السنة السادسة مثلا ) في المدن و القرى . و العفو عن كثير من الغشاشين … و خلق مواقع افتراضية لتسريبات مواضيع الامتحانات، وتقديم خدمات فايسبوكية لروادها ( موقع التسريبات الذي بلغ عدد المعجبين به أكثر من 53097 أيام الامتحانات بدعوى السياسة المتبعة للدولة في التعليم والتعلم و كون السنة الدراسية تعمرها العطل والإضرابات وعدم تكافؤ الفرص وفشل التوجيه المدرسي …) كلها مظاهر لا تسير في اتجاه الإصلاح .
لكل ذلك وغيره اعتبرنا ظاهرة الغش مدعاة للمناقشة ، خاصة وأن امتحانات هذه السنة كانت القطرة التي أفاضت الكأس ، كأس الغش و مختلف وسائل الخداع والحيل الممارسة في الامتحانات . لقد تنوعت وسائل الغش و تطورت تقنياتها بفعل التطور التكنولوجي إلى حد أن المسؤول عن قطاع التربية والتكوين يصرح بأنه في حرب شرسة مفتوحة مع تكنولوجيا الغش .
إننا و نحن نطرح القضية للنقاش لنهدف إلى تحسيس الرأي العام بأخطارها على الفرد و المجتمع، حاضرا و مستقبلا، من خلال تحليلها نفسيا و دينيا و قيميا، و كذا رصد أسبابها الموضوعية والدوافع الذاتية لكثير من أبنائنا و بعض منعدمي الضمير من أساتذتنا ( حالة الأستاذة التي ضبطت متلبسة بتسريب أجوبة الامتحان عبر الهاتف ) .
– ألا يمكن اعتبار الغش في الامتحانات تعبيرا عن التذمر مما آل اليه حال المجتمع حيث الغش هو السائد والنزاهة استثتاء ؟
– ألا يكمن الدافع الحقيقي للغش في تراجع التحصيل وتمييع العملية التعليمية التعلمية بسبب كثرة الاحتجاجات والإضرابات ….؟
– وهل تكفي الإجراءات الأمنية والمزيد من نصوص تجريم الغش والرفع من العقوبة من أجل الحد من الظاهرة ؟.
– ألا يمكن أن تطلق الدولة مشروعا لمكافحة ومحاربة الغش في جميع الميادين الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية …كمدخل لمحاربة غش الامتحانات ، باعتبار أن الظاهرة متشابكة تتأثر و تؤثر و ينتقل عدواها من قطاع لآخر. والتلميذ هنا ابن بيئته ؟.
– كيف يمكن للجمعيات الحقوقية، والمجتمع المدني أن تسهم في محاربة غش الامتحانات بدل انتقاد المبادرات الأمنية بدعوى عسكرة المؤسسات . وإلا كيف يمكن حماية رجال المراقبة من أستاذات و أساتذة و ممتلكاتهم من عنف التلاميذ و أوليائهم ؟.
– كيف يمكن للمدخل البيداغوجي على مستوى التدريس والتقويم أن يسهم في مكافحة آفة الغش، من خلال تفعيل روح الكفايات، وعدم الاقتصار على ترديد جزئيات الكتب المدرسية… ؟؟؟.
فالرجاء من الإخوة الكتاب الراغبين في في مناقشة الموضوع بموضوعية وعلمية موافاتنا بمناقشاتهم على البريد الإلكتروني site@ampei.ma.
جدوى المقاربة القانونية في محاصرة ظاهرة الغش
د.نورالدين عادل
إطار تربوي وخبير في تواصل الأديان والثقافات
حاولت وزارة التربية الوطنية التصدي لآفة الغش في امتحانات الباكلوريا من خلال تفعيل مسطرة الضرب بقوة القانون على يد من ثبت تورطه من الممتحنين، وكانت النتيجة إحالة عشرات الحالات من الغش، بعضها صدرت في حقه أحكام بالسجن. فهل فعلا تمكنت الوزارة الوصية من محاصرة ظاهرة الغش أم أن الحال مازال على ماهو عليه، وبضاعة الغش أضحت رائجة و” سوق الغش بتكنولوجياته الحديثة” في تطور ملحوظ وملفت؟
رغم ما يروج من العبارات الموحية ب”فضيلة الغش” من قبيل :”من غش انتقل، ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه” إلا أن الغش شراب غير مريء، يؤذي شاربه، ذلك أن الذي “انتفع اليوم” من الغش، لاشك سيكون ضحية من ضحاياه غدا، من باب”كما تَدين تُدان”. وهذا ماتؤكده الدلالة اللغوية للغش، إذ الغش مأخوذ في اللغة من الغَشَش وهو المَشرَب الكدِر.
لكن ما الذي يجعل الغش بضاعة رائجة، لافي حقل التربية والتعليم فحسب بل في المجال الاقتصادي، والخدمات العمومية، بل حتى في العلاقات الإنسانية؟
مفتاح الجواب نجده في عبارة ابن فارس رحمة الله عليه في مقاييس اللغة حين نبه على أن الغش في أصله اللغوي يدل على:” ضعف في الشيء واستعجال فيه”(1).
الغش إذن حالة من الضعف، يزينها في أعين الغاش استعجال بلوغ النتائج، واستمراء قطف الثمر بدون جهد.
النفس ميالة للكسل، إن لم تجد من يحبسها ساعة على الجد حتى تذوق طعم النجاح الكامل.
وعليه فكل محاولة لعلاج آفة الغش، إن لم تنطلق من هذا الوعي العميق بالجذور النفسية لهذه الآفة لاشك ستجانب الصواب.
المدخل إذن لمحاصرة ظاهرة الغش واجتثاتها تربوي أساسا، ويكمله بعد ذلك وازع قوة القانون.
وقبل أن نلوم التلميذ والتلميذة اللذين يضبطان في حالة غش علينا أن نوجه اللوم لأنفسنا هل وفرنا لأبنائنا بيئة تشجع على الجد وتقدِّر الكفاءات. أم أن المحسوبية والزبونية الضاربة أطنابها في مجتمعنا ومؤسساتنا الاقتصادية والقضائيةوالصحية والسياسية الخاص منها والعام ذهبت بالأخضر واليابس. وأماتت روح الجد في النفوس وفتحت الباب للارتشاء وشراء الذمم؟
أليست وزارة التربية الوطنية مطالبة بتوفير ظروف عمل تليق بأطر التربية والتعليم حتى لاتفضي حالات الكر والفر بين الوزارة الوصية ومطالب العاملين بها إلى الزيادة في تأزيم الوضع الذي يذهب ضحيته جمهور المتعلمين؟
أليس من الواجب المهني على الأطر التربوية والإدارية بذل الجهد لتمكين تلامذتنا من التحصيل الجيد ومرافقة المتعثر منهم حتى يستعيد عافيته؟
ثم هل نجحت البرامج الدراسية المقررة في جذب اهتمام التلاميذ أم أنها بضاعة مزجاة لاتستجيب لحاجياتهم، ويحتاج من يرغب في ضبط مفرداتها لجهد جهيد. وبات من الضروري إسناد مهمة مراجعتها لأهل الاختصاص من ذوي الخبرة والغيرة؟
إنها قضية مجتمع، حين يدرك الجميع أن الغش ماهو إلا مظهر مرضي ونتيجة حتمية للمعضلة الكبرى: معضلة الفساد.
إنها مسألة حياة أو موت، إما الرضى بميزان العدل الذي يعطي كل ذي حقه حقه، ويسند الأمر إلى أهله، فنحيى جميعا مطمئنين على مستقبل أبنائنا متمتعين بما لنا، مؤدين ماعلينا، أو هو ليل الظلم الذي يسرق حق أبنائنا في غد أفضل.
نصيحة نقدمها لأنفسنا ولمن يعنيه حال أبنائنا وبناتنا، ومن الغش : ألا تمحض النصيحة.
ظاهرة الغش وأزمة القيم في المنظومة التربوية المغربية
عبد السلام اليحياوي
- تساؤلات منهجية حول واقع المنظومة التربوية المغربية
- كلما فاجأتنا بعض الظواهر المشينة في حقل التربية والتعليم، أثارت في أذهاننا تساؤلات عميقة وملحة حول غايات وقيم منظومتنا التربوية، ومواصفات المتخرجين منها، وهل مدرستنا تضطلع حقا بمهمة التربية، التي تستهدف إصلاح النفوس وإكسابها الصفات الحميدة والأخلاق الحسنة، قبل حشو الأدمغة بالمعلومات والمعارف، أم أنها تحصر غايتها في تزويد المتعلمين بالعلوم والتقنيات، التي لاتمت بصلة إلى مجال التربية ونتائجها المعلومة، وإن تسمت الوزارة الوصية بوزارة التربية الوطنية !ولا نحار طويلا في العثور على جواب، بل سرعان ما نكتشف أن ما يعلن عنه كغايات كبرى للعمل التعليمي إذا رضينا بها واطمأننا لها، فإنها تظل كلاما مسطورا لا أثر يجسده في الواقع، وأن الذي يوجد في واقع السلوك والممارسات لدى مختلف شرائح المجتمع، وعلى رأسهم أصحاب الشأن التربوي مربين ومتربين، مخالف لتلك الغايات وبعيد عن تطبيقاتها المنشودة.
- وهكذا يمكننا في هذا الاتجاه أن نتساءل هل مواصفات المتخرج المدبجة في الاختيارات والتوجهات العامة لبناء برامجنا، مصوغة بشكل دقيق يتلاءم مع خصوصياتنا وآمالنا في حاضر مشرف وغد مشرق، أم أنها عبارة عن كلام إنشائي يقصد به استيفاء الشروط والمقومات الشكلية لبناء البرامج ليس إلا؟ فحجم ظاهرة الغش، الذي يأخذ أبعادا متطورة ومتزايدة، يفند ما يرفع من شعار التربية، وما يعلن من غاياتها وأهدافها في تحقيق الإصلاح المجتمعي، ويدل على عمق الأزمة وبنيوية الخلل، وعلى جذرية الحل المطلوب على عجل ودون تراخ وإمعان في تكرار الإخفاقات المتوالية.
- العملية التعليمية التعلمية هي الاختبار الأساس للقيم.
- يعد مجال العملية التربوية تعليما وتعلما وتقويما، وعلاقات معلم متعلم وما تنطوي عليه من مواقف وسلوكات، مرآة عاكسة لمخرجات النظام التربوي المعتمد على مستوى القيم والأخلاق، حيث تعد بيئة المدرسة المجال الطبيعي لممارستها وترسيخها قبل البيت والمجتمع، فيمكننا أن نتحسس وجود القيم مثل الصدق والأمانة والإخلاص والنزاهة والتضحية والمسؤولية .. في سلوك الإدارة والمدرسين والتلاميذ، باعتبار المهمة اليومية لهؤلاء أكثر اتصالا بالمنظومة القيمية للمجتمع؛ فهم الذين يتدارسون عناصرها الأخلاقية ومعانيها الشعورية ودلالاتها السلوكية، ويضعون نصب أعينهم غاية أسمى هي تمثلها في أروع صورة وأكملها، بحيث تقدم المدرسة كما هو منتظر منها نموذجا راقيا لما يجب أن يسود داخل المجتمع من مباديء أخلاقية وقيم عملية.
- فمن القيم التي يلزم أن تثبت في علاقة جميع الأطراف داخل أسوار المدرسة إداريين ومدرسين وتلاميذ الحب والتقدير والنصيحة والإخلاص والتعاون والصدق والأمانة والتضحية.. وليس نواقضها من الكراهية والغش والكذب والخيانة والأنانية التي ترى ملامحها بادية مكشوفة في العديد من المواقف والتصرفات.
- ومن خلال العملية التربوية يلزم أن تكرس قيم الاعتماد على النفس، والتجرد والنزاهة وتقدير الرأي الشخصي والمخالف، وتبجيل المبادرة الحرة والمجهود الذاتي، والاعتراف بالخطإ والتعفف والتسامي عن الدنايا وتزييف الحقائق، وما شابه هذه القيم التي تصب كلها في تنمية سلوك الغش وتقبله.
- الغش في الامتحان نتيجة لغش أكبروأخطر
- وهنا يجدر طرح هذا السؤال: عندما نحكم اختيارات وتوجهات إيديولوجية أثناء وضع المناهج، همها الأكبر هو الانسجام مع فلسفات علمانية وثقافات وضعية وعولمية، على حساب الوفاء لمرجعية دين الأمة و خصوصيات هويتها ومقوماتها الحضارية، ألا نكون قد مارسنا الغش لذاتنا كيانا وقيما وفكرا وتاريخا وحضارة ؟ وطبيعي أن النبتة المغشوشة لايمكن أن تنتج إلا ثمارا مغشوشة، وهي في حالة المناهج التربوية أخلاق الأجيال وقيمهم المعيبة.
- إننا عندما نتوانى في إحكام بناء مناهجنا الدراسية على أسس تربوية أصيلة، ونسعى عن قصد وإصرار لإفراغ تعليمنا من توجهاته التربوية، وحصر التربية الإسلامية في حصتين أسبوعيتين، والسماح للمواد الأخرى بمعاكسة قيمنا وإضعافها، نكون في حقيقة الأمر قد أسسنا لبناء نشء مضطرب أخلاقيا ومنهار قيميا، يخون الأمانة ولا يتورع عن ممارسة الغش في الامتحان ومواصلة ممارسته من خلال المهن التي سيشغلها في الحياة العامة.
- وسؤال آخر يفرض نفسه وهو هل المجتمع يعلي قدر المسؤولية وقيمها، من أمانة ووفاء وصدق وأداء الواجب والإتقان .. ، ويرفض الغش وقيمه من تزوير وكذب وخيانة وظلم وخداع.. بحيث يعتز الفرد بالاتصاف بالأولى ويرى فيها غنى نفسه الذي لاينفد، ويبغض الثانية ويكره أن ينسب إليه شيء منها، ويرى فيها إزراء بقدر نفسه وإهلاك لها ودمار للمجتمع، أم أن الأفراد داخل المجتمع تتغير مواقفهم من هذه القيم ومن غيرها، تبعا لما تقتضيه المصالح الفردية الضيقة والعرضية، فيتطلع إلى أن يكون غيره أمينا لينال نفع الأمانة وخيرها، ولكنه يتخلى عنها عندما تتعلق بها منفعة الآخرين، وفي هذا الصدد يصبح الغش مزية ونباهة وذكاء وحق مكتسب وامتياز، لأنه يحقق النجاح ويرقى بالنفس إلى ما فوق إمكاناتها ويرفعها أعلى من استحقاقاتها ويمنحها ما لاتستحق. ويمكن توصيف موقف الفرد من الغش بمقولة “حلال علي حرام على غيري”.
- أليس كل منا قد فقد الثقة تماما في غيره ما لم يكن صديقا له أومن ذوي قرابته، فلا يكاد يأمنه ويأمن غشه له وتزييفه للحقائق ليستغله ويصادر حقوقه، وإخلاف وعده له لقاء مكاسب مادية محدودة.
- ألم يعد الخوف من الوقوع ضحية النصب والاحتيال والغش والتدليس والتزوير والغبن، هاجسا مزمنا في نفس كل مغربي تضيق معه دائرة المعاملات الاجتماعية والاقتصادية وتفقد الثقة بين الناس. إن اعتقاد الصغير مثل الكبير والمتعلم والأمي، بأن جميع أفراد المجتمع باستثناء فئة أمينة جد محدودة يغشون قليلا أو كثيرا، يجعل الأغلبية لاتستنكف عن اللجوء إلى الغش لقضاء مآربها، مما يعطي التلميذ وهو ابن بيئته مبررا قويا ليقيس غشه في الامتحان على هذا الأصل الراسخ في سلوك معظم الناس، وقد يتعلم ذلك ممن ينتظر أن يمثلوا مصدر قدوته في الحياة مثل: أبيه وأمه وأخيه وأهل قرابته ومربيه ومعارفه وأقرانه.
- وإذا استحضرنا ما يتردد على مسامع أبنائنا من أخبار وحكايات وأحداث ومواقف، فإن القيم الأبرز فيها هي الغش وخيانة الأمانات والنكول بالعهود ! فينشأ الناشئ فينا على التشبع بالغش وارتضاء ممارسته، مع الضيق به واستنكاره في حالة واحدة، هي عندما يمارس عليه ويقع ضحية نتائجه الوخيمة.
- ظاهرة الغش في الامتحانات ليست إذن انحرافا معزولا عن أسبابه وجذوره الضاربة في طبيعة النظام التعليمي الرقيع والفاشل منذ أن ربط واقعه بإملاءات المستعمر وثقافته، فمتى يستعيد شخصيته المغربية الإسلامية وينعتق من التبعية والدوران في فلك العلمانية المتهافتة؟
- {jcomments on}