أعده ذ: عبد الرحيم مفكير
لقد اعتبر الميثاق مشروعا إصلاحيا وأول أسبقية وطنية، بعد الوحدة الترابية وحددت له عشرية 2001-2010،
وحظي قطاع التربية والتكوين بأقصى العناية والاهتمام على كل المستويات، وتطلب إصلاح المنظومة الحزم وطول النفس، والاستمامة لبلوغ الغايات المرسومة. وقد استند الميثاق إلى مجموعة من المبادئ من أهمها الاهتداء بالعقيدة الإسلامية وروح الوطنية والتشبث بالملكية الدستورية والتمسك بالتراث الحضاري والثقافي واللغوي المغربي العريق والتوفيق بين الأصالة والمعاصرة والسعي بالمغرب نحو امتلاك ناصية المعرفة والتكنولوجيا.
كما اعتبر أغلب المهتمين بالحقل التربوي توجيهات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، اختيارات وطنية لإصلاح منظومتنا التربوية التي تم التوافق عليها من طرف ممثلي مختلف مكونات الأمة المغربية وقواها الحية داخل اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين. وقد تميز الميثاق بطابعه التوافقي العام، واستلهم على مستوى إطاره المرجعي العديد من التوجهات التحديثية والتنموية والثقافية والاقتصادية المرتبطة بسياق اللحظة التي يعيشها المغرب، لحظة العولمة بكل معطياتاها ومستجداتها. و يعد أول وثيقة توافقية، أي أول نص مكتوب علني تتراضى حوله أغلب أطراف المجتمع المدني.
تقديم:
ولابد من التأكيد على أن الميثاق الذي هو بمثابة ”دستور“ الإصلاح التربوي والنظام التعليمي في المغرب الجديد جاء ليساير المستجدات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتربوية التي عرفتها بلادنا بعد مجموعة من الأزمات لاسيما في قطاع التعليم، دفع إلى اللجوء إلى التقويم الهيكلي مع منتصف الثمانينات والذي أفرز بدوره تعليما هشا ورديئا انتهى إلى التفكير في وضع إصلاح تربوي شامل انتهى بميلاد الميثاق.
فالميثاق على هذا الأساس هو مجموعة من المكونات والآليات والمعايير الصالحة لتغيير نظامنا التعليمي والتربوي وتجديده على جميع الأصعدة والمستويات قصد خلق مؤسسة تعليمية مؤهلة وقادرة على المنافسة والانفتاح على المحيط السوسيو اقتصادي، مواكبة كل التطورات الواقعية الموضوعية المستجدة، والتأقلم مع كل التطورات العلمية والتكنولوجية لا سيما في مجالات: الاتصال والإعلام والإقتصاد …قصد تحقيق كافة الغايات والأهداف المرسومة من إخراج البلد من شرنقة التخلف والأزمات والركود والرداءة إلى بلد متطور حداثي منفتح تسوده آليات ديموقراطية والجودة والقدرة على المنافسة والمواكبة الحقيقية.
وقد اعتمد مفهوم الجودة و التدريس بالكفايات وفلسفة تطبيق مجموعة من المقاربات الديداكتيكية والفلسفات البيداغوجية كفلسفة الأهداف السلوكية وفلسفة الشراكة….. وآليات ومجالات لتحقيق الأهداف المتضمنة في الميثاق كتحسين البرامج والمناهج البيداغوجية، ومراجعة استعمالات الزمن والإيقاعات المدرسية والبيداغوجية، التقويم ، وتحسين نظام التوجيه، ودعم تعليم اللغات وتحسينه، وكلها تهدف للإرتقاء بالجودة حرصت المنتديات على مدارستها وتبسيطها. وقد جاء الميثاق بمجوعة من المصطلحات لا يتسع المجال للوقوف عليها.
أما الغايات الكبرى فتتمثل في جعل المتعلم محور الإصلاح والتغيير عن طريق رفع مستواه التحصيلي المعرفي والمهاري، وذلك بتلبية حاجياته الذهنية والوجدانية والحركية، والعمل على تكوين أطر مستقبلية مؤهلة ومؤطرة كفأة قادرة على الإبداع والتجديد وتنمية البلاد. و تسعى بنود الميثاق لجعل المدرسة المغربية مدرسة منفتحة سعيدة مفعمة بالحياة والتنشيط وجعل الجامعة منفتحة بدورها وقاطرة للتنمية، وتتوخى أن تصبح المؤسسات أفضية للحريات والحقوق الإنسانية، وأمكنة للحوار والتعلم الذاتي،كما يسعى لخلق شراكة حقيقية مع الجماعات المحلية والآباء وأولياء الأمور والشركاء الآخرين للمساهمة في النهوض بالقطاع التعليمي قصد تحقيق الجودة والتعميم وإجبارية التعليم. ويهدف إلى نشر التعليم وربطه بمحيطه الاقتصادي عن طريق تعميم تعليم جيد في مدرسة متعددة الأساليب ومحاربة الأمية في إطار التربية غير النظامية للقضاء عليها تدريجيا في 2010 بنسبة 20 في المئة وبشكل نهائي 2015 بنسبة 100 في المئة.
ولن يتحقق هذا المبتغىويتم إلا في إطار اللامركزية والشراكة في التربية بين القطاع العام والخاص والمجتمع المدني والسلطات المحلية والمجتمع السياسي والمنظمات الحكومية وغير الحكومية مع توظيف الإعلام المرئي، فضلا عن خلق تلاؤم أكبر بين النظام التربوي والمحيط الاقتصادي عن طريق الاندماج المتبادل بين المؤسسة التعليمية والمحيط البيئي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمهني، أو عبر الانفتاح الوظيفي على الحياة العملية وآفاق الابداع إما بواسطة التمرس والتكوين بالتناوب وإما عن طريق التكوين المستمر.
إن من أهم المستجدات الرهان على الارتقاء بالجودة، وضمان شروط ومواصفات مؤسسة تربوية جيدة. وترتبط هذه الجودة في المنظومة التربوية بجانبين أساسيين وهما:جودة الإدارة وجودة المنظومة التربوية وعملياتها التعليمية التعلمية. ولابد من التأكيد على أن تحقيقها لن يتأتى إلا في بلد يتميز بالديموقراطية والابتكار والابداع والعمل الجماعي، والإيمان بالانفتاح والحوار ، والمساهمة في إثراء الحضارة الإنسانية. وهذا يفرض تجديدا في مهام الإدارة التربوية والتأطير،وفي ممارسة التدريس، والتحصيل المعرفي، وتتبع المستجدات التربوية ( التقويم) والحد من ظاهرة الانقطاع المدرسي، ويتطلب جودة البرامج والمناهج، والكتب المدرسية، والإيقاعات المدرسية، وتطوير التدريس بالكفايات ، واعتماد شراكة حقيقة تهم كل الشركاء الفعليين،..وبهذه الوسائل مجتمعة يمكننا تأهيل المواطن المغربي ليصبح في مستوى مواجهة تحديات اللحظة الراهنة، لحظة العولمة بكل إكراهاتها وقيمها وتعاليمها الثقافية.
ومن هذا المنطلق يأتي الإيمان العميق بتبني خيار التدبير التشاركي سواء من طرف الإدارة أو الفرقاء الاجتماعيين. فما المقصود بالشراكة او التدبير التشاركي؟ وما هو إطاره المرجعي؟ وكيف ينظر الفرقاء الاجتماعييون إلى التدبير التشاركي؟ وما هي شروط تحقيق تدبير تشاركي فعال ومتميز يخدم المدرسة العمومية؟
التدبيرالتشاركي محاولة لتقريب المفهوم:
إن مصطلح تدبير Gestion يضاف إلى: مثلا: تدبير التعليم Gestion de l’enseignement وهو لفظ مستقى من مجال الاقتصاد، يوحي بالإجراءات والعمليات الإدارية والتربوية التي تمكن من دراسة الحاجات وتحديد الموارد والخدمات وإعداد العمليات وتسييرها قصد التوصل إلى النتائج المرجوة.. والتدبير البيداغوجي يفيد إجراءات وعمليات تنظيم وتسيير الوضعيات البيداغوجية… ويفيد إعداد خطة لبلوغ الأهداف واختيار الوسائل والأدوات وهيكلتها وجدولة الوقت وتوزيع الأدوار…. أما التسيير فيقصد به الإشراف على سير عمليات التنفيذ وتقييم وتقويم وضبط مسارها وتصحيحه.. ( انظر المنهل التربوي ج1 عبد الكريم غريب) أما لفظة شراكة Partenariat : فتفيد الدخول في فعل مشترك، تتم مناقشته والتراضي عليه. وفي مجال التربية، ترمي التعاريف إلى تدقيق الشروط الضرورية التي تميز الشراكة عن مختلف أشكال التعاون، التي توجد كلها داخل فكرة انفتاح المدرسة، كاستلافها لخدمة من طرف متدخل خارجي أو جلب مصادر أو موارد من طرف شريك أو متكفل أو التبادل والاتصال والعلاقات والشبكات واعتماد أساليب التعاقد المتاسس على النقاش والمساومة والتفاوض بين الطرفين من اجل تحديد مصالحهما المشتركة وحل مشاكلهما الموحدة ( نفس المرجع ج2).
يحيلنا مفهوم الشراكة سواء في اللغة الفرنسة أو العربية على التعاون والتشارك والتفاعل التواصلي والمقاسمة والمساعدة وتبادل المصالح والمنافع المادية والمعنوية وعلى تآزر الشركاء من اثنين فأكثر. وقد تحيل الشراكة على الشركة والمقاولة والاتحاد والرابطة العضوية التي ينشئها مساهمون مشتركون.
اما في الاصطلاح التربوي فالشراكة عبارة عن تعاون مشترك بين أطراف تربوية وأطراف أخرى سواء أكانوا من داخل المؤسسة ام من محيطها الخارجي أم من جهات أجنبية تجمعهم مشاريع تربوية مشتركة، الغرض منها تحقيق منافع معنوية ومصالح مادية، أو خلق تعايش سلمي بين المتشاركين وتحقيق التواصل اللغوي والثقافي والحضاري بين هذه الأطراف، أو التشارك من اجل إيجاد الحلول المناسبة لمجموعة من الوضعيات والعوائق والمشاكل التي تواجهها.
وفي مذكرتها الوزارية رقم 27 بتاريخ 24 فبراير 1995 تذهب إلى أن الشراكة ” عموما تقتضي التعاون بين الأطراف المعنية وممارسة أنشطة مشتركة وتبادل المساعدات، والانفتاح عل الآخر مع احترام خصوصياته. أما في الميدان التربوي فإن الشراكة التي تندرج ضمن دينامية مشاريع المؤسسات تتطلب مجموع الفاعلين التربويين من مفتشين وإدارة تربوية وأساتذة، وتلاميذ وآباء، وغيرهم…”.
سياق الشراكة:
قبل الوقوف على السياق العام للشراكة لا بد من التأكيد على أن مفهوم الشراكة التربوي ظهر في الغرب منذ أواسط الثمانينات ضمن السياق الأنجلوسكسوني في مدارس الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، وانتقل بعد ذلك إلى العديد من الدول الأوربية ولا سيما إسبانيا وفرنسا. وأصبح الحديث على العديد من الشراكات: شراكة اقتصادية وشراكة اجتماعية وشراكة تجارية وشراكة سياسية وشراكة تربوية وشراكة عسكرية وشراكة نقابية وشركات: ثقافية وفنية ورياضية…
ومن بين العوامل التي أفرزت مفهوم الشراكة العلاقات اللامتكافئة بين الشمال والجنوب، والمنافسة في مجال الاقتصاد والتسليح وتأهيل المقاولة فضلا عن التطور الصناعي والإعلامي الذي يفرض على الدول المعاصرة أن تدخل في شراكات اقتصادية وسياسية ( السوق الأوربية المشتركة- السوق العربية المشتركة- المجلس التعاوني الخليجي- السوق المشتركة لدول أمريكا اللاتينية..) كما ساهمت الصراعات الإيديولوجية التي أفرزتها الثنائية القطبية ( الولايات المتحدة الأمريكية ذات الطابع الرأسمالي والاتحاد السوفياتي في خلق تكثلات وشراكات مختلفة ( الكوميكون/ السوق الأروبية المشتركة). وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تغيرت كثير من المفاهيم وأصبح الحديث ممكنا عن تعايش الطبقات كما يقول رايمون آرون. وطرح مفهوم الآخر ضمن ثنائية التواصل والشراكة من أجل إقامة عالم مبني على الحوار والتفاهم والتعاون وحب السلام، بدلا من عالم أساسه الصراع الجدلي كما عند هيجل أو الصراع الطبقي كما عند ماركس أو الصراع التاريخي كما عند فوكوياما أو صدام الحضارات كما عند صموئيل هانتغون. وتجاوزا لهذه الصراعات الإيديولوجية ، انتقل العالم إلى الدخول في عولمة الشراكات وتأهيل الاقتصاد وخلق مجتمع الكفاءات ولا سيما في مجال تكنولوجيا الاتصال الرقمي والإعلامي. كما ساهمت الديموقراطيات الاجتماعية في سن سياسة اللاتمركز وتفعيل التوجه الفديرالي وتطبيق السياسة الجهوية وخلق الأقطاب المحلية عن طريق نشر وتدعيم الفكر التشاركي التعاوني الذي تساهم فيه جميع الفعاليات المدنية والسياسية والعسكرية. ( انظر د: جميل حمداوي من قضايا التربية والتعليم 2006 سلسلة شرفات 19).
إن مفهوم الشراكة حديث العهد داخل الحقل التربوي، فهو كما اتضح ينتمي إلى المجال الاقتصادي والاجتماعي، وبقي هذا المصطلح يحيل الشراكة على الشريك، بمعنى العمل أو اشتغال مع الغير، وهذا الاشتغال لا يفرض بالضبط توحد الأهداف مع الشريك أو الشركاء، حتى لو كان السعي إلى نفس الغاية. واكتست هذه الفكرة – فكرة العمل مع الغير- نوعا من الدونية خاصة مع وزارة التربية الوطنية، حيث يكون الأمر يتعلق بشريك سيقدم مساهمة مالية.
وأصبح جليا اليوم أن التدبير التشاركي أخذ أبعادا ردت الاعتبار لكل الشركاء المحتملين ومن بينهم الفرقاء الاجتماعيون.
ويتميز السياق العام بالعناصر الأساسية التالية :
° انتهاج الجهوية واعتماد اللامركزية واللاتمركز كأساليب للتدبير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي ببلادنا .
° إرساء مقومات الممارسة الديمقراطية والشفافية في تسيير الشأن المجتمعي المغربي .
° تنامي الوعي بالمساهمة في تدبير الشأن العام من خلال منظمات المجتمع المدني .
° اتساع مساحة التطلعات والآمال لدى الفئات الواسعة من السكان في ضوء العولمة وضغط المتغيرات وتقلص إمكانات الدولة في مواجهة المعضلات الاجتماعية القائمة .
° انطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وترجمتها إلى برامج عمل واعدة .
° إعداد ونشر تقرير ” 50 سنة من التنمية البشرية وآفاق 2025 “.
كما يتميز سياق تطور النظام التربوي بخاصيات من أهمها :
° تحولات عميقة لمنظومة التربية والتكوين في ضوء توسعها الكمي وإصلاحها المتعدد الأبعاد وتفاعلاتها الداخلية والخارجية (مع المحيط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي) ، مما نتج عنه رهانات كبرى.
لقد اعتمد مبدأ الانفتاح أساسا مركزيا لإنجاح كل مبادرة تشاركية، يلزم المؤسسة العمومية بالتعرف على محيطها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي دون أحكام مسبقة، واعتماد نهج الإشراك والتشارك وتعزيز التواصل لتعبئة الإمكانات المادية والمعنوية للتغلب على الرهانات التربوية والتكوينية الراهنة والمستقبلية.إنها شراكة إنمائية تتناغم (تندمج وتتكامل) مع توجهات واختيارات وسياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المستدامة على الأمد المتوسط والبعيد ؛ شراكة تمكن من التغلب على إكراهات مسار إصلاح النظام التربوي وربح رهاناته والنهوض المستديم بمنظومة التربية والتكوين ؛ شراكة تتحقق بؤر تجسيدها الفعلي على المستويات المحلية والجهوية بواسطة انصهار كافة مبادرات وأشكال الجهد الفردي والجماعي التضامني والتشاركي انطلاقا من المؤسسة التعليمية؛ شراكة تتوسع أشكالها ومجالاتها بقدرما تتراكم نتائجها وآثارها الإيجابية والمحفزة.
غايات وأهداف الشراكة الاستراتيجية :
° تطوير وتمتين المساهمة الفعلية والناجعة في الاضطلاع بالمهام والاختصاصات المنوطة بمختلف الفاعلين المباشرين وغير المباشرين لمنظومة التربية والتكوين ، وتسخير مؤهلاتهم لفائدة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أبعادها الشاملة.
° الانخراط في مجهود تمتين مكتسبات النظام التربوي وتطويرها ، وفي تثمين المجهود المجتمعي المستثمر لهذا الغرض؛
° المساهمة الوثيقة في التدبير العقلاني لقضايا وشؤون النظام التربوي .
° إنجاز برامج أو مشاريع أو عمليات مادية أو نوعية مجسدة لهذه الغايات .
° امتلاك حق تتبع وتقييم وتقويم مسار الإصلاح التربوي وتدبير الشأن التربوي ورسم آفاق التطور المستقبلي لمنظومة التربية والتكوين انطلاقا من المؤسسة التعليمية.
الإطار المؤسساتي للشراكة:
° الميثاق الوطني للتربية والتكوين .
° قانون الحريات العامة لسنة 1958 كما تم تتميمه وتغييره .
° القانون رقم 00.07 المتعلق بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين (19 ماي 2000) .
° المرسوم المتعلق باختصاصات وتنظيم وزارة التربية الوطنية (17 يوليو 2002) .
° المرسوم المتعلق بالنظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي (17 يوليو 2002) .
° القانون رقم 00.78 المتعلق بالميثاق الجماعي .
° دورية الوزير الأول رقم 2003/7 في شأن الشراكة بين الدولة والجمعيات .
° الدوريات والمذكرات الوزارية ذات الصلة.
التدبير التشاركي من خلال ميثاق التربية والتكوين:
خصص ميثاق التربية والتكوين المجال السادس منه للشراكة والتمويل، حيث ركز في البند 163 على دور قطاع التعليم والتكوين الخاص، كشريك وطرف رئيسي، إلى جانب الدولة، في النهوض بنظام التربية والتكوين، وتوسيع نطاق انتشاره والرفع المستمر من جودته. كما اعتبر الميثاق، ضمن البند 171 ، الجماعات المحلية، مساهمة في إطار اختصاصاتها، وبشراكة مع سلطات التربية والتكوين، في العبء المالي الناتج عن تعميم التعليم الجيد، كل حسب استطاعته، وخاصة فيما يهم الجوانب التالية: الاضطلاع بالتعليم الأولي، الإسهام في تعميم التعليم الابتدائي، اعتبار المقاولات فضاء للتكوين وطرفا فاعلا فيه باستقبالها للمتمرسين والمتمدرسين، إسهام الأسر من خلال شراكتها الفعلية ( الميثاق ص 79/80).
وتتجلى أهمية الشراكة والتدبير التشاركي داخل المنظور التربوي من خلال المقاصد المنشودة منها، والمتمثلة في الرفع من نجاعة المدرسة وبالتالي جودة تعلمات التلاميذ. وقد اعتبرها الميثاق كمكون أساسي داخل بنية منظومته، حيث خصص عدة نقط لها داخل المجال الأول، المرتبط بنشر التعليم وربطه بالمحيط الاقتصادي، كما هو الشأن بالنسبة للامركزية والشراكة في التربية غير النظامية ومحو الأمية، وانفتاح المدرسة على محيطها وعلى الآفاق الإبداعية.
ولتحقيق استراتيجية منسجمة مع روح التوجهات العامة الطموحة للميثاق الوطني، فلقد تم من خلال المجال الخامس، إقرار مجموعة من التدابير المبنية على تظافر مجهودات وإمكانات مختلف المصادر المجتمعية، وذلك من خلال مقاصد الدعامات التالي:
° إقرار اللامركزية واللاتمركز في قطاع التربيةوالتكوين: حيث أنه على صعيد الجهة، ينبغي أن تتم إعادة هيكلة نظام الأكاديميات وتوسيعها، لتصبح سلطة جهوية للتربية والتكوين، لا متمركزة، ومزودة بالموارد المادية والبشرية الفعالة، مع إشراك في مجالسها ولجانها المختلفة ممثلين عن كل الفاعلين في القطاعين العام والخاص للتربية والتكوين وعن شركائهم. كما ينبغي أن يتم الارتقاء بالجامعة إلى مستوى مؤسسة مندمجة المكونات.
° تحسين التدبير العام لنظام التربية والتكوين وتقويمه المستمر.
° تنويع أنماط البنيات والتجهيزات ومعاييرها وملاءمة محيطها وترشيد استغلالها وحسن تدبيرها.
° الشراكة والتمويل: حتى لا يقع قطاع التربية والتكوين منغلقا على نفسه، ومعتمدا فقط عل إمكاناته الخاصة والمحدودة، فإن
الميثاق ضمن مجاله السادس، قد دعا إلى: حفز قطاع التعليم الخاص وضبط معاييره ومنح الاعتماد لذوي الاستحقاق، وتعبئة موارد التمويل وترشيد تدبيرها.
لقد اعتبر مفهوم الشراكة تعاقدا لتحرير مبادرات وإشراك جميع الفعاليات في إطار القانون بمخيلة أوسع وبذكاء خلاق ومنفتح لإنتاج أربح وأوفر. وعليه فالشراكة ليست توقيعا وتصفيقا فقط. إنها نهج حداثي ومدخل أساسي من مداخل حكامة تدبير المنظومة التربوية. إنها مؤشر نوعي لتكريس مبدأ عصرنة التدبر وذلك من خلال انفتاح المؤسسات على محيطها الخارجي وإشعاع ثقافة المشاركة والتشارك على جميع المستويات ومحاولات إشراك اكبر عدد من الفاعلين للانخراط في بناء منظومة تربوية متجددة. إنها تعاقد بين طرفين أو أكثر بغية الوصول إلى هدف مشترك وذلك بتحقيق مصالح متبادلة بين المتعاقدين والتدبير التشاركي للفرقاء الاجتماعيين:
كان للتحولات التي صاحبت بروز العولمة آثار على الحركة النقابية في العالم، مما ساهم في بروز قيم ومطالب وحركات جديدة لم تعد تقتصر عند المطالب المادية التقليدية، بل تحولت من الاهتمامات السياسية والاقتصادية المتمركزة حول اللامساواة والاضطهاد والاستغلال إلى اهتمامات جديدة مثل البيئة ومستوى ونوعية التعليم والصحة والإسكان والثقافة وقضايا المساواةوالمرأة والأقليات والتنوع الثقافي ونشر الديموقراطية والحرية في كل بقاع العالم… وظهرت أطروحات جديدة في الحقل النقابي دعت إلى مفاهيم جديدة، مثل مفاهيم الشراكة والتسيير الجماعي وإعادة التأهيل والتكوين للعمال لرفع المردودية من أجل حماية مكتسبا العمال في مجال الأجور واستمرارية العمل. وأصبحت مصطلحات من قبيل ” المقاولة المواطنة” “و النقابة المواطنة” وغيرها مكمن توافق بين الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين على اعتبار “أن نجاح المقاولة هو نجاح عمالها ونقابييها، وتفاني هؤلاء هو من بريق المقاولة وإشعاعها واستمرار المشروع بهذه الصيغة أو تلك. فأصبحت الحركة النقابية تتعايش مع سياسات الخوصصة والتحرير وإعادة التقنين، وآمنت بضرورات المسايرة والتأقلم والانضباط. ونتج عن هذا توافق ضمني بين البعد السياسي والاقتصادي والبعد الاجتماعي والنقابي لدرجة أصبحت تلك الأبعاد تبدو كرافد من روافد المشروع المجتمعي الجديد في ظل انتقال رأس المال من الطبيعة الإنتاجية المتعارف عليها إلى طبيعة مالية خالصة لا تعتبر المضاربات إلا جزءا منها، ومن ثم أصبحت الممارسة النقابية التي كانت تدعي امتلاكها لمشروع مجتمعي تابعة لمشروع مجتمعي المطلوب منها تبنيه وتزكيته والبناء عليه بحكم موازين القوى وإكراهات الواقع.
إن هذه التحولات فرضت على النقابات أن تعيد النظر في أدوات عملها على ضوء تحديات العولمة، وأن تتكيف وتتأقلم مع هذا الواقع وذلك ما يفرض على النقابة تجاوز بعدها المحلي لمعانقة المنظومة النقابية العالمية. إذ ما دام رأس المال هو نفسه بصرف النظر عن الفضاء الذي يشتغل فيه، فإن المفروض توحيد العمل النقابي بين كل التنظيمات النقابية القائمة.
ونستطيع ان نحدد معالم فكرة الشراكة كونها تقوم على علاقة تعاقدية بين نقابة مواطنة وبين مقاولة مواطنة. أو بصورة أخرى على علاقة تعاقدية عادلة ومتكافئة بين قوة العمل وأرباب العمل. هذه العلاقة تقوم على أساس:
° العدل واستبعاد أي نوع من أنواع التظالم.
° عدل من جهة المؤجر أو المشغل تجاه الأجير .
° حق العامل في أجر يمكنه من تلبية حاجياته الأساسية.
° حق العامل في حماية الدولة له من شطط المشغل أو رب العمل.
° علاقة قائمة على أساس التعاقد والتراضي، تعاقد معروفة شروطه وحدوده، يعرف كل طرف ماله وما عليه.
° علاقة قائمة على أساس الأريحية.
إن التأسيس لمفهوم التدبير التشاركي لا يعني بالضرورة انتصار الليبرالية المتوحشة أو الاستسلام لمنطق السوق وتأليهه ولا يعني انتهاء دوره، وإنما يعني نهاية نوع من العمل النقابي الذي كان يراهن على الطبقة العاملة كأداة للتغيير السياسي الطريق الثالث، وولادة نمط جديد من العمل النقابي وجب أن يؤهل نفسه في نفس الوقت ليكون شريكا للطرف الآخر في العملية الإنتاجية يأخذ بعين الاعتبار الإكراهات التي أخذت تفرضها المنافسة من ضغوط التحولات التي عرفتها بنية الطبقة الشغيلة، ولكن في نفس الوقت يناضل من أجل حفظ كرامتها وحقوقها الأساسية ويكون شريكا في خلق الثروة وتأهيل الطبقة العاملة كي تطور وضعها الاجتماعي نحو الأحسن.
إن التدبير التشاركي يفضي بنا إلى إقامة سلم اجتماعي على أساس حوار موضوعي متوازن يؤدي إلى القيام بالواجبات من لدن العمال والمستخدمين ويجعلهم فاعلين ومقدرين لإكراهات العولمة ومقتضيات المنافسة، ويضمن في نفس الوقت حقوقهم التي تقرره الإعلانات والمواثيق الدولية، ومن بينها الحق في النضال من أجل عطاء مضمون اجتماعي للعولمة والتجارة الحرة. انطلاقا من ذلك فالممارسة النقابية هي مطالب وحقوق ولكنها واجبات ومسؤليات.
أهداف وحدود التدبير التشاركي وشروطه:
إن التدبير التشاركي الذي نهدف إليه يتوخى:
° استنبات ثقافة حقيقية للتدبير التشاركي وترسيخ مقوماته.
° اعتماد منطق التراضي والوضوح والشفافية والتعاقد المعنوي لإنجاز المتفق عليه.
° توحيد التصورات والمنطلقات الأساسية.
° استيعاب خصوصيات كل طرف، وإدراك إكراهاته.
° اعتماد المقاربة التشاركية، والتخطيط الاستراتيجي، والتخطيط بالأهداف.
° تبادل الخبرات في المجالات المتعددة: المعرفي والتربوي والبيداغوجي والديداكتيكي.
° الإشراك في مجالي التدبير والتسيير وفق الضوابط القانونية المنصوص عليها في الميثاق او المذكرات الوزارية.
° الالتزام بقواعد التعامل الشفاف واحترام برنامج العمل.
° احترام كل مؤسسة خصوصيات المؤسسة التي تربطها بها شراكة.
° التشبع بروح العمل التعاوني.
° التركيز على مشروع تربوي دينامي حيوي عملي وواقعي يعمل على تحقيق أهداف تنسجم مع الأولويات التربوية، ويحقق مطالب العاملين في الحقل التربوي.
° تفعيل المذكرتين الوزاريتين 73و 27( الأولى صادر بتاريخ 12 أبريل 1994م خاصة بمشروع المؤسسة، والثانية بتاريخ 24 فبراير 1995 خاصة بالشراكة) أثناء تحديد مشروع العمل، ومرتكزات المشروع، وإنجازه، وتقييمه.
° تأمين الإيفاء بمستلزمات تنفيذ المشاريع أو برنامج اتدبير التشاركي المتفق عليه ، والتغلب على ما قد يعترضه من صعوبات باعتبار كل ذلك عند مرحلة الإعداد.
° التحكم في برمجة الإنجاز بالتتبع المتواصل لضمان انطلاق كل محطة تنفيذية في إبانها واجتياز كافة المحطات وفق الشروط المحددة لذلك في خطة العمل.
° لتزام الإدارة بتفعيل اتفاق 13 ماي 2002، و 28 يناير2004.
° تمكين الفرقاء الاجتماعيين من الوثائق والمعطيات الدقيقة، وإشراكهم في العمليات المبرجة والمتوخى إنجازها.
° إلتزام الفرقاء بالعمل بما تم الاتفاق عليه.
° ضمان حقوق الأفراد وواجباتهم كما نص على ذلك الميثاق، وتبني الممارسة الديموقراطية في ظل دولة الحق والقانون.
° توسيع دائرة التدبير التشلركي بالانفتاح على العديد من الشركاء الفعليين.
مزايا التدبير التشاركي:
يتميز التدبير التشاركي بعلاقة خاصة، يوحد من خلاله، اشخاص ومؤسسات خبراتهم ومواردهم بغاية تحقيق مجموعة من الأنشطة المحددة ، ويشتغل الشركاء مجتمعين لتحقيق هدف مشترك ومصلحة كل واحد منهم. ولا بد من تسجيل أن التدبير التشاركي ليس غاية في حد ذاته، فهو لايوجد إلا في إطار علاقات حركية من أجل هدف مرتبط برسالة كل واحد.
ومن أهم مزايا التدبير التشاركي:
° صياغة حلول جديدة.
° توسيع دائرة التفكير/ مقاربات جديدة.
° تحسين المردودية/ تحريك موارد إضافية.
° تقديم حلول ناتجة عن التنسيق والتشاور.
° تبادل التجارب.
° ضمان استمرارية العمل.
° تقوية التضامن/ تنامي المسؤولية المشتركة.
° توسيع مجال تدخل كل واحد.
° تحسيس فاعلين آخرين حول دور التدبير التشاركي.
قواعد التدبير التشاركي الناجح:
° احترام هوية كل الشركاء.
° الشفافية في العلاقة بين الشركاء.
° المشاركة في اتخاذ القرار.
° الثقة المتبادلة، والندية.
° الحوار من أجل تجاوز مشاكل سوء الفهم الذي يمكن أن يبرز مع تطور علاقة التدبير التشاركي.
° تبادل التجارب والمناهج.
° اقتسام المخاطر والمسؤوليات.
معايير قياس جودة التدبير التشاركي:
° تلاقي وجهات نظر الشركاء حول غايات وأهداف واضحة ومحددة.
° درجة وكيفية إشراك الشركاء في تنفيذ المشاريع.
° تقدير المعرفة والخبرة.
° استمرارية العلاقة التشاركية في الزمن.
° الشفافية، والحق في الفشل مع اقتسام المسؤليات.
إن التدبير التشاركي لا يمكن أن يحقق ثماره المرجوة ونجاحه المرغوب فيه إلا بترجمة النوايا والقرارات إلى أعمال سلوكية تطبيقية عملية في الميدان والممارسة. وعلينا أن نتجاوز الشعارات والتظاهرات التي تقف عند حدود التنظير والتجريد وإصدرا القرارت والبيانات وتحديد الخلاصات والنتائج إلى مرحلة التطبيق والتنفيذ والتقويم والتتبع والنقد الذاتي بطريقة برغماتية يترابط فيه القول مع الواقع والمنفعة.