عوامل فاعلية المؤمن

0

فاعلية المؤمن

المفهوم والصور والعوامل والصوائن

في حوار مع الدكتور زيد بوشعراء

القسم الثاني: عوامل فاعلية المؤمن 

سؤال10: تطرقتم في القسم الأول من الحوار إلى فاعلية الفرد المؤمن من حيث مفهومها وصورها المتعددة، ونحب أن نتحدث في القسم الثاني من الحوار عما في حضارتنا وفكرنا التربوي من مقومات تميزها عن مقومات الفاعلية الفردية لدى الأمم الأخرى وخصوصا عوامل الفاعلية، وأول ما يتبادر إلى الذهن عند ذكر عوامل الفاعلية هو الجانب التحفيزي منها أو”حوافز الفاعلية” فماهو تصوركم لهذه الحوافز؟ وكيف يمكن أن تدفع بالفاعلية إلى أعلى درجة وأوسع مدى؟.

نعم للفاعلية عوامل تحفز عليها وهي في إطار التصور الإسلامي حافزان:

أولهما وأقواهما أخروي، وثانيهما دنيوي.        

العامل الأول: الحافز الأخروي

    الإيمان باليوم الآخر، خوفا من سوء الحساب وطمعا في حسن الثواب، هو أقوى ما يحفز المؤمن على فعل الخير فهو بنص القرآن السبب في استحقاق الجنة قال الله تعالى ” ولمن خاف مقام ربه جنتان “.وما ذلك إلا لأن خوف مقام الله إذا استقر في قلب المؤمن جعله ينهى نفسه عن هواها فتنبعث منه الأعمال الصالحة الموجبة للجنة بسلاسة وتتابع قال الله تعالى في هذا:” وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى” (النازعات 40-41)  لأجل ذلك كان القرآن والسنة يستعملان هذا الإيمان محفزا للمؤمنين على تنفيذ الأوامر ونفع العباد كما في قوله عز وجل: “لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا “(الأحزاب 21)  وقول الرسول صلى الله عليه وسلم:” من كان يومن  بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت” وقوله:”من  كان يومن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره”.

     ولذلك ذكر الله أن باعث الأبرار على فعل الخيرات هو خوفهم من عذاب الله فقال:” ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا” (الإنسان 8 ).

     ومن هنا نفهم لماذا جعل الله مقصده من إنزال الكتب وإرسال الرسل محصورا في إنذار يوم التلاق وذلك في قوله عز وجل:” رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق”( غافر 15 ).

     ونفهم أيضا لماذا كان القرآن الكريم، في زمنه المكي الذي دام ثلاث عشرة سنة، قرآنا أخرويا بامتياز يجعل الإيمان بالله واليوم الآخر وسيلة إلى تزكية النفوس وإخراج الأمة النافعة لغيرها، الأمة التي كانت تزيد على فعل المعروف وترك المنكر أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فاستحقت بذلك أن تنال وسام (خير أمة أخرجت للناس) قال الله تعالى:” كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتومنون بالله “(آل عمران 110).

سؤال11: هذا من حيث الإجمال، فهل يمكن أن تزيدوا الموضوع تحليلا وتفصيلا بحسب تفاصيل عقيدة الآخرة وعناصرها وفروعها؟.

          نعم  للإيمان باليوم الآخر فروع تنشىء الفاعلية وتقويها:

1–اعتقاد المؤمن أن السابقين يوم القيامة هم الذين كانوا سابقين بالخيرات في الدنيا جزاء وفاقا وذلك على قاعدة “الجزاء من جنس العمل” أخذا من قوله تعالى:” ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله …”(فاطر 32) وقوله:”والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين”(الواقعة 10 – 14 ) وذلك لأن السابقين ينالون أجر الأفعال التي سبقوا إليها وأمثال أجور من اقتدى بهم فيها.

      إن اعتقاد هذا هو الذي يبعث المؤمن على المبادرة إلى إنجاز الصالحات في أسرع وقت ويجعله لا يرضى أن يكون مسبوقا إليها أو مجرد مقتد بمن سبقه فيها أي يجعله حريصا على أن  يكون إماما في الخير مقتدى به يسن السنن الحسنة فيتبعه الناس عليها وهو مبتغى عباد الرحمن الذين أخبر الله أن من دعائهم الثابت ” واجعلنا للمتقين إماما “(الفرقان 74).

2–اعتقاد المؤمن أن “ما نفعه في الدنيا أكبر وأدوم أجره في الآخرة أعظم ” وهي” قاعدة ” مأخوذة من قوله صلى الله عليه وسلم” أحب العباد إلى الله أنفعهم لعياله” وذلك أن الله تعالى يحب كل مؤمن ينفع عباده بأي قدر من النفع ولكن درجة محبته له تابعة لدرجة نفعه للناس فمن كان أكثر نفعا كان أحب إلى الله ومن كان أحب إلى الله كان أعظم أجرا بلا ريب، والقاعدة مأخوذة أيضا من قوله صلى الله عليه وسلم” إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له” وكل هذه الثلاثة أعمال يستمر نفعها وأثرها الطيب أجيالا كثيرة وقد يبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ويكون أجرها بقدر مدة بقائها ..

3–رجاء المؤمن لليوم الآخر يكسبه إمكانات وقدرات للفاعلية عظيمة وذلك أنه:

vيجعله عالي الهمة طالبا للمعالي إذ علو الهمة، في الحقيقة، ثمرة من ثمرات ابتغائه لأعلى درجات الجنة، فالحريص على الفردوس الأعلى حقا حريص على الإتيان بأحسن ما يحبه الله من الأعمال وعلى تحقيق أرفع المقاصد الإسلامية درجة، وهذا بذاته عامل مهم من عوامل الفاعلية.

vويجعله زاهدا في الدنيا موفرا لفعل الخيرات وقتا كبيرا كان سيصرفه في إتباع الشهوات والتوسع في الترفهات لو لم يكن زاهدا في الدنيا وذلك لعلمه بأن طول أمله في الدنيا مضيع لعمره، وأن قصر أمله هو الذي يبعثه على اغتنام حياته قبل موته وشبابه قبل هرمه وفراغه قبل شغله.

vيجعله مبتغيا الدار الآخرة فيما آتاه الله من المال والنعمة بسبب زهده في الدنيا وحصره إنفاقه على نفسه فيما لابد منه من الحاجات المشروعة ، وذلك أن مريد الآخرة والساعي لها سعيها متجنب للتبذير لعلمه أنه إن بذر لم يبق للإنفاق في سبيل الله  مالا وهو ما يشير إليه قوله تعالى:”وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين” وقوله:”وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا”.

vويجعله محبوبا بزهده عند الله وعند الناس ويصبح من ثم مقبولا ومؤثرا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس”

4–علم المؤمن أن تفريطه مع المفرطين وخوضه مع الخائضين لا ينفعه يوم القيامة في شيء ولا يعفيه من المساءلة، وأن كونه، في هذه الدنيا، واحدا من جماعة مفرطة في جنب الله مقصرة في حق دين الله لا يرفع عنه الإثم لأن الله تعالى جعل الحساب فرديا فقال”وكلهم آتيه يوم القيامة فردا”(مريم 95) وقال تعالى:”وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا”(الإسراء 13 – 14) وقال تعالى:” كل نفس  بما كسبت رهينة “(المدثر 38). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”ما منكم من أحد إلا سيسأله الله يوم القيامة ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان”.

      وإنما كان الحساب فرديا يوم القيامة لأن التكليف فردي في هذه الدنيا وليست فردية التكليف خاصة بالشعائر التعبدية بل هي شاملة لواجبات كل مؤمن تجاه دين الإسلام وأمة الإسلام.

     فكل مؤمن على حدة مطالب في ذلك بفعل ما يستطيع فإن كان قادرا على العمل المطلوب باشره بنفسه وإن كان غير مؤهل له حض عليه المؤهلين له ودلهم عليه وأعانهم ويسر مأموريتهم كما هو المطلوب في كل واجب كفائي فلا يسقط فرض الكفاية بترك المؤهلين له بل إذا ظل متروكا ظلت الأمة آثمة حتى يقوم.

5–اعتقاد المؤمن أنه يؤجر أجرا مضاعفا أضعافا كثيرة على فاعليته في زمن الفتنة والرداءة والتدهور، وأن توقع الابتلاء في صورة أذى أو سخرية أو تضييق أو غير ذلك لا ينبغي أن يمنعه من الإسهام في الإصلاح والبناء، لأن ذلك، عند التحقيق، ليس بشيء إزاء الانجاز المتوقع والثواب الموعود وقد قيل:”من عرف ما قصد هان عليه ما وجد” فيوطن نفسه على استيعابه والتعايش معه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن من ورائكم أياما الصبر فيهن كالقبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا، قالوا خمسين رجلا منا أو منهم ؟ قال بل منكم”.

سؤال12: هذا عن الحافز الأخروي فما تصوركم لما قلتم إنه حافز دنيوي؟ وما علاقته بالحافز الأخروي؟.

بعدما تبين ما للعامل الأول من آثار يمكن القول في

العامل الثاني: الحافز الدنيوي.

     إنه لما كانت الفاعلية تعني جميع المؤمنين ولما كان المؤمنون متفاوتين في درجات الإيمان وفي التأثر بآثار الإيمان الغيبي وما ينتج عنه من تفاوت، ولما كان الإسلام دينا واقعيا يراعي هذا التفاوت الواقع بين الناس حتى قال عثمان بن عفان رضي الله عنه:” إن الله ينزع بالسلطان من لم ينزعه القرآن”، وهو ما يمكننا القول في مجال الفاعلية:”إن الله يحفز بالسلطان من لم يحفزه القرآن”، ولذلك كان لزاما أن ينضم إلى الحافز الأخروي الحوافز الدنيوية تلك التي تحفز بها الدول أطرها ومواردها البشرية على الإبداع والإتقان والاختراع والاكتشاف وتجويد المردودية في أمور الدنيا من حوافز مالية وجوائز وترقيات وما إلى ذلك.

      وذلك أن ما ينتج عن هذا النوع من التحفيز من إنجاز شيء تحتاجه الأمة في عمرانها وحضارتها وهو لا بد نافع لها وإن صدر عن قصد دنيوي وليس عن قصد أخروي. إذ ليس نفع الإنجاز في أمور الدنيا مشروطا بأن يكون بنية التعبد أو التقرب.

       نعم كل إنجاز دنيوي صادر عن قصد أخروي هو أبرك وأنفع ولكن الحاجة إلى تحريك كل الطاقات في الأمة تقتضي تنويع الحوافز على هذا النحو أي إضافة الحوافز الدنيوية إلى الحوافز الدينية.

      وغاية ما في الحافز الدنيوي أن بعض المؤمنين بإنجازهم النافع النابع من الرغبة في تحقيق طموحات دنيوية شخصية محضة لا أجر لهم عليه في الآخرة ولا وزر وإنما لهم فيه ما ينالونه في الدنيا من أجر ومكافأة.

      على أنه ليس كل من يستجيب للمحفزات الدنيوية بعديم الأجر في الآخرة وذلك أن استمرار التحفيز العام بالحوافز الدينية الأخروية قد يجعل بعض المؤمنين مريدا بعمله كلا الفائدتين الفائدة الآخرة والفائدة العاجلة فيكون شأنه عند ربه شأن المجاهد الذي جعل الله له أن ينوي بجهاده أن يكون في سبيل الله أولا وأصالة ثم لنيل الغنيمة ثانيا وتبعا بهذا الترتيب.

      إن الحوافز الدنيوية تؤثر في فئة عريضة من شباب الأمة الطموح وتفجر فيهم طاقات هائلة تجعلهم مصدرا لنفع عميم، ولا ينبغي لأحد أن يدعو إلى الاقتصار في التحفيز على المحفزات الأخروية لأن ذلك ببساطة يحرم الأمة من  نسبة مهمة من وسائل التقدم والتحضر والإعمار.

      وقد رأى العالم كيف قفزت أمم غربية وشرقية غير مسلمة قفزة نوعية إلى قمة التقدم التقني والتنظيمي بفعل عوامل عديدة من بينها المحفزات المقدمة للباحثين والمكتشفين والمبدعين، نعم نجم عن بعض التحفيزات إبداعات نفعتهم وأضرت بغيرهم إضرارا بالغا وما ذلك إلا لغياب القيم والفصل بين الإيمان والعلم.

      ولكن هذا المحذور يوجد في أمة الإسلام قابلية لتفاديه بسبب مخزونها الروحي الذي لا تزال تمتح منه بنسبة ما وتتجاوب مع قيمه تجاوبا مرشحا للتنامي وهو ما يستبعد معه لجوؤها إلى التحفيز على إنجاز أو إبداع ما يساعد على” الإثم والعدوان “.

سؤال13: في التصور الإسلامي لا يمكن الحديث عن الفاعلية بمنأى عن التدين ولا يمكن دعوة المسلم إلى نفع غيره قبل دعوته إلى القيام بما يجب عليه في حق نفسه، فهل يمكن اعتبار حسن التدين الفردي عاملا مساعدا على الفاعلية؟.

      انتقلنا الآن إلى الحديث عن عامل ثالث هو الاستجابة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم وذلك أن الفاعلية المنطلقة من روح الإسلام تتميز عن غيرها من الفاعليات بكونها متوقفة على حسن التدين ظاهرا وباطنا. لما ثبت من استقراء الشرع والتاريخ أن استجابة المؤمن لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم بفعل الواجبات والمندوبات وترك المحرمات والمكروهات مصدر مهم لفاعليته يزودها بالطاقة الضرورية ويوفر لها شروط التحقق.

       وأعظم ما تمنحه لفاعلية المؤمن هو معية الله تعالى له كما قال الله عز وجل:”واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين”(البقرة 194) ومن كان الله معه كان أحسن الناس فعلا للخير وأسعدهم بالتوفيق لما يحبه الله ويرضاه، وذلك لما يرزق بسبب استجابته من البصيرة وقوة الغيرة والتيسير وأهلية الاستجابة للدعاء. وكلها مقومات للفاعلية، وبيانها كما يلي:

1-البصيرة

      إن الفاعلية أحوج ما تكون إلى البصيرة وصحة الفهم لدين الله وواقع الناس وذلك امتياز يختص به ذو القلب السليم قال الله تعالى: “واتقوا الله ويعلمكم الله”(البقرة 182) وقال: “إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا”(الأنفال 29). فالمتقي يؤتى نورا يرى به الحق حقا والباطل باطلا ويرى به المصلحة مصلحة والمفسدة مفسدة وسوء العمل سوء وحسنه حسنا ويرى كلا من حجم منفعة العمل وحجم مضرته كما هو بلا تضخيم ولا تحجيم فيكون ترجيحه بين المصالح والمفاسد صحيحا وتقديره صائبا، وهو الأمر الذي يميزه عن متبع هواه الذي ليس على بينة من ربه كما قال الله عز وجل:”أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم” (محمد 14)    

      والبصيرة إنما هي فرع عن الاهتداء بالقرآن، والقرآن كما وصف الله تعالى:”قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء”(فصلت 44) غير أن معرفة هداه متوقفة على إتباعه كما أرشد الله تعالى لذلك بقوله: ” قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم”(المائدة 15 – 16).  

2-قوة الغيرة

  الغيرة على الدين والأمة عامل أساسي من عوامل الفاعلية (أصلها كراهة القبائح وبغضها) وتلك سمة الراشدين التي قال الله تعالى فيها: “ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون “(الحجرات 7).

       قال ابن القيم: “أشرف الناس وأعلاهم قدرا وهمة أشدهم غيرة على نفسه وخاصته وعموم الناس، ولهذا كان النبي (ص) أغير الناس على الأمة، والله سبحانه أشد غيرة منه”. “وأصل الدين الغيرة، ومن لا غيرة له لا دين له، فالغيرة تحمي القلب فتحمي له الجوارح فتدفع السوء والفواحش … ومثل الغيرة في القلب مثل القوة التي تدفع المرض وتقاومه فإذا ذهبت القوة وجد الداء المحل قابلا ولم يجد دافعا”.

3-تيسير الأعمال.

المؤمن المستجيب لله وللرسول ييسر الله أعماله ويوطئ له طريق التأثير في الحياة وفي الناس ذلك ما وعده الله ربه سبحانه في قوله: “ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا”(الطلاق 4) فيجعل له محبة في قلوب المؤمنين ولدى الملائكة قال الله عز وجل: “إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا”(مريم 96) فإذا أحبه المؤمنون اتبعوه واقتدوا به وكانوا أعوانا على الخير والحق.

     ويجعل الله له أيضا مهابة في قلوب سائر الناس فيحترمونه ويوقرونه ويتفادونالوقوف في طريقه إن لم يطيعوه و يعينوه، فقد صار مشاهدا ومجربا كما قال ابن القيم أنه: “على قدر محبة العبد لله يحبه الناس، وعلى قدر خوفه من الله يخافه الناس، وعلى قدر تعظيمه لحرمات الله يعظم الناس حرماته”.

4-أهلية الاستجابة للدعاء

        المؤمن المستجيب لله أهل لأن يستجيب الله دعوته إذ يوفق للدعاء في الوقت المناسب ولا يفوته التضرع في أوقات الاستجابة الستة ويستجاب دعاؤه سواء منه استعانته بالله على الخير واستخارته إياه فيما يهم به من أمور الإصلاح والدين والدنيا وذلك من أهم عوامل فاعليته وأسباب نجاحه.

       يضاف إلى هذا أنه كلما تقرب المؤمن إلى ربه بالنوافل بعد تقربه إليه بالفرائض ازدادت   أهليته تحسنا وتباركت قدرته على الفاعلية فقد وعده الله تعالى بأن يؤهل حواسه للإدراك ويؤهل جوارحه لأداء أعمال مسددة موزونة وتجعله محفوظا من كيد الشيطان ومستجاب الدعاء وفي الحديث القدسي الشهير: “من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصربه، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه”.  

ومن أهم ما يدخل في الاستجابة لله وللرسول ويقوي الفاعلية ويزكيها أمران:           

vالاستجابة ظاهرا وباطنا

     يقبل الله العمل من العبد بشرطين أن يأتي به على وفق شرعه وأن يريد به وجهه، والله يكتب للعمل المقبول عنده قبولا عند الناس ويبارك فيه ويجعله نافعا لصاحبه وللعباد، فإذا اختل في الفعل أحد الشرطين كان مردودا على صاحبه وكل عمل لا يقبله الله فلا بركة فيه ولا أثر ولا نفع ولا استقرار وإنما هو زبد لا يلبث أن يذهب جفاء.

ومن اختل له أحد الشرطين في بعض الأحيان مع استمرار حرصه على تحقيقهما معا لا يضر ذلك الاختلال الجزئي العابر فاعليته ولكن من تلاشى عنده الحرص عليها وصارت كل أفعاله مختلة من جهته فقد حرم الفاعلية مطلقا.

vالاستجابة قولا وفعلا

     المؤمن الفاعل يسبق فعله قوله، وذلك يهيىء قوله لأن يكون مؤثرا، وأما من يأمر الناس بالبر وينسى نفسه ويقول ما لا يفعل فقد استنزل عليه مقت الله قال الله تعالى: “أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون”(البقرة 44) وقال: “ياأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون”(الصف 2 – 3). والممقوت عند الله ممقوت عند الناس أيضا لا سيما عند من يعلمون حاله، وإنما يتأثر بقوله وينتفع بنصحه وأمره ونهيه من علم بكلامه، سماعا أو قراءة، ولم يبلغه شيء من سيرته. لكن علم الناس بمناقضة فعله لقوله يمنعهم من الأخذ بقوله.

سؤال 14: واضح أن الحوافز والتدين لهما آثار في الفاعلية، لكن ألا ترون أن الجانب التصوري له أثره أيضا أي أن ثمة تصورات إذا حملها المؤمن كانت مساعدة له على الفاعلية وإذا لم يحملها أو حمل عكسها كانت عائقا؟.

     نعم فاعلية المؤمن تتوقف على تصورات مهمة ينبغي أن يحملها وكل واحد منها هو بمثابة عامل من عوامل الفاعلية:

أولها: اعتقاد حاجة الناس إلى دين الله.

اعتقاد المؤمن أن الناس، أفرادا ومجتمعات، محتاجون إلى الله ربهم اللطيف الخبير العليم الحكيم الرحمن الرحيم الرؤوف الودود المقسط المعز الرزاق ذي القوة المتين .. وأنهم لا خلاص لهم إلا في الاعتصام به وفق منهاجه المتمثل في دينه الإسلام من حيث إنه الدين الوحيد في هذا الوجود الذي:

vيخرجون به من الجور بكل أشكاله إلى رحاب العدل بأتم صوره، ويدخلون بفضله في واسع  رحمة الله، ويجلب  للقلوب الطمأنينة والسكينة ويحييهم من ثم حياة طيبة في هذه الدنيا قال تعالى:” وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا”(الأنعام 115) وقال:” وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون “(الأنعام 155) وقال:” ألا بذكر الله تطمئن القلوب”(الرعدوقال:” من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون “(النحل 97).

vيجدون فيه أجوبة كل أسئلتهم كما قال الله تعالى:”وأنزلنا إليك الكتاب تبيانا لكل شيء”

vيتمكنون به  من أن يرتفعوا إلى مقام الرشد كما قال الله تعالى على لسان الجن الذين سمعوا القرآن، قال تعالى:” إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد “(الجن 1)، وقال تعالى: “فليستجيبوا لي وليومنوا بي لعلهم يرشدون”(البقرة 186).

الثاني: اعتقاد قابلية الإنسان للإصلاح

     كل إنسان يولد على الفطرة، وعامة من فرطوا في جنب الله من المسلمين لم يفرطوا لأن فطرتهم قد ذهبت ولكنهم فرطوا لأن فطرتهم قد غشيتها غواشي من أنواع شتى وهم في ذلك تحت تأثير عوامل ذاتية وموضوعية صدتهم عن سبيل الله من شهوة ملهية أو شبهة معمية أو فاقة منسية أو هم ضحايا جهل أو تجهيل أوتضليل أو ظلم أو إهمال أو ظروف اجتماعية مشوشة، لكن غشاواتهم تلك قابلة للانقشاع متى وجدت من يعرف كيف يرفعها.

     والمؤمن الموفق يبدأ في رفعها بفهم حالة كل شخص معني فكريا ونفسيا واجتماعيا ثم يختار الوسيلة المناسبة لرفع الغشاوة عن فطرته وقلبه والتي قد يكون منها وعظه موعظة حسنة أو مجادلته بالتي هي أحسن أو تفريج كربته واصطناع المعروف له وبعبارة أخرى تذكيره بالقرآن أو إقناعه بالبرهان أو نفعه بالإحسان.

     والمقصود أن الله جعل في الإنسان قابلية للأوبة وهيأ لأوبته أسبابا بعضها من دينه الذي أنزله إليه وبعضها من تقديره في الحياة، أحداثا خاصة وعامة منبهة له ترجعه إلى ربه وذلك عندما يأذن الله برجوعه، والمؤمن الفاعل إنما يفعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي تاركا النتيجة إلى الله، وآخذا ما يجده من الإعراض والصدود مأخذ اللائم لنفسه المفتش في طريقة تعامله مع هؤلاء الأشخاص عن الخلل الذي منع من استجابتهم معاودا الكرة معهم بعد مراجعة الطريقة راجيا للخير وغير قاطع  للإياس.

الثالث: اعتقاد قابلية المجتمع للتغيير

      من عوامل الفاعلية اعتقاد المؤمن أن التغيير نحو الأحسن هو دائما ممكن باعتبار أنه إنما يجري وفق قانون السببية أي تبعا لأسباب هي في متناول الإنسان وبإمكانه إدراكها وكلها أرشد الله تعالى إليها في كتابه ونبه عليها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته من مثل قول الله تعالى:”إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”(الرعد 11)، وقوله “إن تنصروا الله ينصركم “(محمد 7) وقوله: “إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون “(النحل 128). وقوله: “ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا  لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض”الأعراف 96)…. ولاشك أن تصور المؤمن إمكان التغيير هو دافع  قوي من دوافع الفاعلية.

 الرابع: تصور طبيعة الأمة نشأة وتطورا

وبيان ذلك:

        أ-أن معرفة كيف أخرج الله للناس خير أمة، وكيف مد الله في عمرها في غياب الرسول صلى الله عليه وسلم، زمن الخلفاء الراشدين، على نحو قريب مما كانت عليه زمن النبوة وكيف كانت لها السيادة والتفوق العلمي والحضاري على أمم الأرض طوال قرون بعدما أصاب التدهور تدينها العام، معرفة كل ذلك عامل مهم يؤكد ميزة دين الإسلام باعتباره دينا مجربا في التاريخ جربته شعوب مختلفة في أماكن مختلفة وأزمنة متغايرة فأعمر لها الأرض وأصلح لها الحياة ورفع لها الذكر،كما أن معرفة ذلك تلهم المؤمن أفكارا منهاجية يمكنه أن ينفع أمته الحالية بما كان منها موافقا لمؤهلاته. 

       ب-معرفة أن الله قد جعل في هذه الأمة قابلية دائمة للنهوض والتجدد وقدرة فائقة على المقاومة والصمود فهي أمة لا تنقرض ولا تبيد ولا تباد فلا تزال فيها طائفة ظاهرة على الحق ولا يزال الله يبعث فيها على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها وكل صوت للتجديد أصيل يجد صداه فيها ولو بعد حين.

وذلك لشهادة التاريخ أن هذه الأمة قد مرت بظروف عصيبة وتسلط عليها أعداء شرسون لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ولا يحترمون في الأمة حقا ولا عهدا ومع ذلك صمدت وانتصرت لما قيض الله لها من يعيد الاعتبار إليها ويجعلها ذاكرة بعد غفلة صالحة بعد فساد عزيزة بعد ذلة قوية بعد ضعف ىآمنة بعد خوف.

       ومن ثم فالمؤمن يعرف أنه مهما أظلم الحال لا ينبغي له قطع الأمل من نهوض أمته فإن الفرج يعقب الكروب والشدائد وإن مع العسر يسرا ولقد نبه الله تعالى على هذا المعنى بقوله ” حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا … “(يوسف 110)  فكل فعل محكم الإعداد يبتغي الإسهام في إصلاح الأمة وتجديد دينها هو مؤثر بلا ريب وستظهر آثاره في زمن فاعله أو بعد زمنه لأن ما ينفع الناس من أعمال المؤمن يحفظه الله لكي يظهره في الوقت المناسب قال الله تعالى:” فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”(الرعد 17).

سؤال 15: ربما يعتقد بعض الناس أن تتبع واقع الأمة قد يحدث في نفس المتتبع إحباطا، كيف ترى ذلك في إطار ما نحن بصدده من عوامل الفاعلية؟.

      الذي أراه أن الاهتمام بأمر المسلمين هو من عوامل الفاعلية وليس من هوادمها، نعم قد يكون توالي المصائب على الأمة وتعدد أزماتها من جهل وأمية وفقر وفساد وتخلف وتمزق وتبعية سببا في إصابةبعض الناس بالإحباط واليأس ولكنه بالنسبة للمؤمن الغيور الذي يعرف أن لكل مصيبة سببا تقعلوقوعه وترتفع بارتفاعه باعث على الاستجابة للتحدي وحافز لإرادة تجديد هذه الأمة ودافع لمقاومة محاولات الإبادة، أو الإلحاق ولا فاعلية للمسلم تجاه إخوانه المسلمين إلا إذا اهتم بأمرهم وحمل همهم، والاهتمام بأمرهم لا يحصل إلا بتتبع أحوالهم ويؤكد ذلك أن التدهور الذي حل بالأمة والخطوب والأهوال التي مرت بها عبر التاريخ كانت محركا حقيقيا حرك النجباء المهتمين بأمرها من أبنائها وكانت السبب في شحذ الهمم، والعامل وراء ظهور الرجال الذين حفظ الله بهم الملة والدين وأرجع القوة والعزة. فإذا ضم إليه الوعي بما ينمو فيها من الخير الموازي لذلك الشر وما يتجدد فيها من الأوبة وما لديها من طاقات وفرص ومداخل للإصلاح فإنه بلا شك سيزداد تحفزا على القيام بواجبه تجاهها.

سؤال16: لاشك أن معارف المؤمن ومقروءاته وخبراته ومهاراته تؤثر في فاعليته تحفيزا وتحقيقا ونود منكم إلقاء بعض الأضواء على آثار هذه الجوانب.

 إن الفاعلية تتحفز وتتحقق بعدة عوامل معرفية ومهارية:

أولها: الإطلاع على سير الأعلام

   من عوامل الفاعلية الإطلاع على سير الأعلام من المجددين والمصلحين والأبطال وغيرهم ممن وفقهم الله لصناعة الحياة وتجديد قوة الأمة وسن السنن الحسنة ومعرفة كيف تعاملوا  على اختلاف مؤهلاتهم ومواقعهم وميادين عملهم مع ظروف أزمنتهم وأمكنتهم وكيف تغلبوا على الصعاب المتنوعة وأحدثوا التحول الواجب وكيف كانوا يدبرون أوقاتهم وكيف بارك الله في أعمالهم وأعمارهم.

     إن إطلاع المؤمن على قصص فاعليتهم ينشئ في نفسه حتما الحماس الضروري للاجتهاد والرغبة الأكيدة في الاقتداء بهم والإتيان بالأعمال الجليلة والمبادرات المباركة.

 وينبغي لهذا الاطلاع أن يكون شاملا لسير المعاصرين من الأعلام وليس القدامى منهم فقط لاسيما سير من كانوا وراء إطلاق المشاريع وإنشاء المؤسسات ذات الأثر الإصلاحي الكبير والمتواصل.

الثاني: امتلاك المعارف الضرورية

      مما يجعل المؤمن أكثر نفعا للناس أن يكون على قدر من الثقافة العامة مع إحكامه للتخصص العلمي الذي يشتغل في مجاله وامتلاكه الخبرة الواقعية ذات الصلة بتخصصه، وهاهنا يتعين على خواص الفاعلين الجمع بين الفقهين وذلك أن الاستجابة لله تعالى تمنح أهلية الفهم لمن بذل الجهد في التعلم والتفقه، والمؤمن الذي اجتهد حتى جمع الله له الفقهين، فقه الدين وفقه الواقع، قد زوده بإحدى مؤهلات التأثير في الحياة من جهة أنه يكون موفقا لتنزيل دين الله على حياة الناس تنزيلا مناسبا يحقق لهم مصالحهم الحقيقية المعتبرة، ومن جهة أنه يكون ذا قدرة على الإقناع بفضل ما يملك من حجته الدينية المطابقة للواقع؛ وتلك هي الحكمة التي في نفوس الناس شوق إلى ظهور من تتمثل في قوله وفعله وفيها استعداد لاتباعه والاقتداء به.

      وفي هذا المعنى قال النبي صلى الله عليه وسلم: “خياركم في الجاهلية، خياركم في الإسلام إذا فقهوا” نظرا لتميز هؤلاء الخيار بكونهم ضموا إلى معرفتهم بأوضاع الجاهلية الفقه بهدى الإسلام. فأما المؤمن الذي هو فقيه في الدين وغير فقيه في الواقع فإن تطبيقه للدين يكون مختلا وحجاجه ضعيفا لا يحقق مقاصد الدين ولا يقنع المخالفين ويكون منفرا غير مبشر ومعسرا غير ميسر. وإن أثر فإنما يؤثر في بعض الناس البسطاء ممن هم دونه في العلم والشخصية ولم يتسن لهم مقارنته بغيره وقد قال عمر بن الخطاب:”تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية”.

       والمؤمن الذي هو فقيه في الواقع وغير فقيه في الدين لا يعالج الواقع بهدى الدين وإنما يعالجه برأيه والرأي غير المنضبط بأحكام الدين وقواعده ومقاصده رأي يخطئ أكثر مما يصيب، ويفسد أكثر مما يصلح، ويضل أكثر مما يهدي، ويفرق أكثر مما بجمع.

     على أن المقصود بفقه الدين، بالنسبة لعموم الفاعلين لا خصوصهم، ليس هو الاستيعاب لتفاصيله وجزئياته ولكن المقصود به الفهم لخصائصه وأصوله وقواعده ومقاصده ومراتب أحكامه، والفهم أيضا لهدى الإسلام المتعلق بالحياة العملية للمؤمن وبمجال فاعليته.

      وأما المقصود بفقه الواقع فليس هو الاستيعاب لجزئياته ولكنه الفهم لخصائصه وبنيته والفاعلين فيه ووزنهم ومقاصدهم ووسائلهم، والمعرفة بأوضاع المجتمع، والعلاقة بين أحداثه والسر فيها، والوجهة التي يسير إليها، ومعرفة إيجابيات المجتمع وسلبياته واحتياجاته وخيار رجالاته، والمعرفة الدقيقة بمجال الفاعلية: ناسه وإمكانياته ومعطياته، واكتساب سائر المعارف المعينة على التواصل معه والتأثير فيه.

 الثالث: امتلاك المهارات اللازمة  

      امتلاكالمؤمن للمهارات العملية يفيد فاعليته جدا لأنه يمكنه من تنفيذ مشروعه بنجاح  ويساعده على إيصال أفكاره و”اجتهاداته” بكل لباقة إلى أي مستوى من مستويات المجتمع الذي يباشرفاعليته معه.

سؤال17: إذا تحفز المؤمن للفاعلية بالحوافز وتأهل لها بالتدين والتصورات والمعارف يبقى عليه أن ينتقل إلى تحقيق الفاعلية فما هي في نظركم أهم العوامل العملية المحتاج إليها أثناء تحقيق الفاعلية؟.

تتنوع عوامل تحقيق الفاعلية إلى ما هو عملي وما هو خلقي وما هو روحي:

أولها: عامل اتخاذ مشروع  

    من عوامل الفاعلية رسم المؤمن هدفا أو أهدافا إسلامية لحياته، واتخاذه مشروعا شخصيا يسهم به في نفع الناس بعد دراسته لجدواه وتقديره لأولويته بالنسبة إلى زمانه ومكانه وحسن اختياره لموارده البشرية ووسائله العملية التي هي الأسرع في تحقيق الهدف والأنجع في معالجة الحال والأوسع تأثيرا في الناس وتحققه من تناسبه مع مؤهلاته الحالية أو مع قدرته على اكتساب أدوات تنفيذه وشروط نجاحه.

وفعله ذلك يجمع له أربعة أسباب للفاعلية وهي:

vاتضاح الرؤية لديه وتمكنه من استحضار رسالته في خضم ما ينازعها من رسالات الآخرين وهو ما يجعله يأخذ حذره من الشواغل العارضة لها ومتقيا لما يصرف عنها وما يزين تركها والانتقال إلى غيرها. فيبقى بذلك بعيدا عن التخبط والتذبذب والانقطاع أو الاستدراج إلى ما لا يقصده.

vاستجماعه لقواه كلها(من قدرات فكرية وذهنية وعلمية ومن مال ووقت)وصرفه إياها في خدمة مشروعه على سبيل التفرغ له والتخصص فيه وهذا يجعله مهيئا لأن يحقق منشوده.

      ومثله في ذلك كمثل من يملك أرضا خصبة شاسعة وليس له من المال والماء والأدوات والعمال إلا شيئا قليلا جدا فاختار أن يعالج بها من الأرض الجزء الذي تكفي في معالجته تلك الإمكانات المتاحة فهذا يوشك أن تخرج له الأرض ثمرات طيبة وإن قلت لكنها ستكون أصلا لثمرات أخرى وأساسا لتمنية ثروته، فإن لم يفعل ذلك واستعمل إمكاناته المحدودة في معالجة كل الأرض بذر طاقته ووقته ولم يستفد شيئا.

vتمكنه من استثمار كل ما يتاح من فرص ووسائل وطاقات زيادة على مؤهلاته الذاتية وبذلك يتحقق له المطلوب في أسرع ما يمكن من الوقت وأجود ما يمكن من المآل.

vشعوره أثناء سيره بأنه سائر على طريق الإنجاز مجدوب في كل مرحلة إلى المرحلة التي تليها وكلما حقق هدفا جزئيا ومرحليا تحمس للمضي إلى النهاية.

وبدون تحديد المؤمن لمشروعه فإنه يكون قليل الفاعلية أو عديمها من جهة أنه يصبح مضيعا لطاقته ووقته فيما لا فائدة فيه أو فيما فائدته محدودة جدا وذلك من عدة جهات:

      من جهة أنه يحرم أعمالا طيبة من الفرص والإمكانات المتاحة بسبب كونه في وضعية ذهنية وعملية لا تسمح له بتوظيفها.

      ومن جهة أنه بحرصه على فعل كل شيء، يصبح مغلوبا على أمره عاجزا عن إعطاء الأعمال حقها من العناية بسبب كثرتها وقلة قوته ووقته فيبدأ عملا مهما ثم ينتقل إلى آخر قبل أن يصل في الأول إلى المطلوب ويثبت فيه المكتسبات. وقد قال الله تعالى:”ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا مسلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون”(الزمر 29) والآية وإن سيقت أصلا لبيان الفرق الملموس بين التوحيد والشرك يفهم منها، تبعا لا أصالة، ضرر تعريض النفس لتعدد الجواذب واستجابتها لمختلف المطالب.

      ومن جهة أنه يصبح مشغولا في مشاريع وضعها غيره قد يدرك خلفياتها وقد لا يدرك وقد تكون مناسبة وقد لا تكون، ومن كان ذا مؤهلات معتبرة ولم يكن له مخططه الخاص في توظيفها فإنه حتما سيوظفها في مخططات الغير.

الثاني: عامل الاعتصام بقواعد الفاعلية

     ليس الفاعل من ينقل الخبر بسرعة، أو يغرق السوق بالمؤلفات، أو يملأ الفضاء بالفتاوى  والآراء والاقتراحات، أو يغدق على الناس الأموال الطائلة، أو ينهى عن المنكر مراعاة للنهي في ذاته دون ما بعده، أو من يعجب الناس بخطابه أو ما شئت مما ظاهره حركية ونشاط وهو في حقيقته غير مبني على أساس متين ولا متبع لمنهج سليم.

إنما الفاعل في كل مجال من يتبع فيه منهجه الشرعي، مما تمت الإشارة إليه في مفهوم الفاعلية وصورها.

ويمكن القول هاهنا أيضا أن المؤمن الفاعل مستمسك بجملة قواعد شرعية أذكر منها أنه:

vمستمسك بقاعدة “التبين” في مجال الأخبار والمعلومات، فلا يصدق خبرا ولا يعتمده ولا ينشره قبل أن يتبين له صدقه.

vمستمسك بقاعدة “الدليل” وبالقاعدة التي قبلها في مجال الفكر والرأي فلا يستقر على فكرة أو رأي حتى يكون قائما على دليل صحيح، مستبعدا ما كان من ذلك بلا دليل أو كان مبنيا على خبر مكذوب أو دليل ضعيف، ويجمع كلا القاعدتين ما عبر عنه العلماء بقولهم:” إن كنت ناقلا فالصحة، أو مدعيا فالدليل”.

vمستمسك بقاعدة “الحكمة” وبالقاعدتين اللتين قبلها في مجال الهداية والتزكية والتعليم والإفتاء والإعلام والتدبير والإنفاق، فخطابه مبني على الخبر الصادق والدليل الصحيح ويراعي خصوصيات الفئة المستهدفة والشخص المعني به، ولا يبني قراره على إشاعة أو خبر غير موثوق، ولا على دليل ضعيف ويراعي حسن الفهم للواقع وحسن التقدير للعواقب ، وهو مستمسك في إنفاقه بقاعدة الحكمة فيوجهه إلى من يستحقه وإلى المصلحة ذات الأولوية وبالقدر الكافي الذي يحقق المقصود من الإنفاق شرعا وكل ذلك عملا بالقواعد التابعة للحكمة من تحقيق للمناط، ونظر في المآل، وما إلى ذلك من قواعد شرعية كثيرة يعلمها المؤمن المتفقه في دينه ويتحراها ولا يحيد عنها مما ليس هذا بمجال لتفصيلها.

الثالث: عامل اتباع خطوات التوفيق الشرعية

      المؤمن الذي يتبع أسباب التوفيق الشرعية ينجح الله عمله ولا يخيبه أبدا، وذلك بأن يخطو خطوات أربعة:

   أولها: تفكير المؤمن في موضوع العمل المنشود ودراسته لياه وبحثه فيه.

   ثانيها: استفتاؤه العلماء للتحقق من مدى مشروعية العمل.

   ثالثها: استشارته الخبراء للتحقق من جدواه وفائدته إذ رب مشروع يكون مجديا

مفيدا في مكان دون مكان أو في وقت دون وقت.

– رابعها: استخارته العليم القدير علام الغيوب طلبا لتيسير العمل ومباركته له إن كان خيرا له ولأمته وطلبا لصرفه عنه إن كان شرا له ولأمته. إذ رب عمل مباح ومفيد إذا باشره شخص نجح فيه ونفعه ونفع به وإذا باشره آخر أخفق فيه وضره وأضر بغيره، ولا يعلم من يصلح له ممن لا يصلح له إلا اللطيف الخبير سبحانه.

      وإذا كان المؤمن الفاعل مستخيرا لله في شؤون حياته الخاصة فأولى وأولى أن يكون مستخيرا له في مشاريع حياته العامة من حيث تلك المشاريع في حد ذاتها، أي مبدئيا، ومن حيث تفاصليها التنفيذية المتمثلة في اختيار الوقت والمكان والمجال والوسائل والأشخاص الشركاء أو المساعدين أو المستشارين أو المنفذين، وما إلى ذلك من الأمور التي تؤثر في الأعمال نجاحا أو إخفاقا .

الرابع: عامل استفراغ الوسع 

   فاعلية المؤمن في أمر ما هي معالجته إياه معالجة تتسم بالجودة والحكمة ويعني اتسامها بالجودة كونها على درجة عالية من الاتقان والجمال سالمة من العيوب والأضرار، ويعني اتسامها بالحكمة كونها مناسبة للمجال والزمان والمكان والأشخاص.

والفاعلية بهذا المعنى إنما تتأتى للمؤمن إذا استفرغ وسعه فيما هو بصدد إنجازه بحيث يستجمع بلا استعجال شروط نجاحه واحدة واحدة ويتبع بكل أناة الخطوات المطلوبة فيه ويوفي لكل خطوة متطلباتها بلا زيادة ولا نقصان. ولا ينتقل منها إلى أخرى إلا بعد اتمامها ، ثم ينظر، بعد إتمام كل الخطوات، في كيفية تنزيل ما أنجزه تنزيلا محققا للمصلحة مناسبا للواقع، كما ينظر في كيفية إخراجه إخراجا جيدا. وبدون هذا “الاجتهاد” فلا نجاح لأعماله ولا فاعلية له بل هو في هذه الحال مقصر ومفرط ومستعجل ومن ثم محدود النفع وقد يكون ضارا غير نافع.

الخامس: عامل اغتنام الفرص المتاحة

جعل الله تعالى في الزمان فرصا مباركة وهيأ أحوالا استثنائية من حرص عليها واغتنمها كان اجتهاده فيها أنجح وعمله أفيد، ومن ذلك:

   1-مرحلة الشباب هي أحسن أوقات العمر وأفضل فرص للعطاء والإبداع والاجتهاد هي مرحلة القوة الشاملة قوة البدن وقوة العقل وقوة النفس من اغتنمها لدينه وآخرته وأمته غنم خيرا أكثرا، وأفاد فوائد جمة.

والشباب مرحلة للطموحات والشهوات يطمح فيها كل شاب ويعمل لأجل مستقبل أفضل وأجمل وتتجاذبه أثناءها الفتن والشهوات من كل جانب، لذلك كان الشاب المؤمن الذي يصبر على طاعة الله ويجاهد نفسه ألا تزيغ ولا تركن إلى الدنيا ولا تنسى الآخرة ويجتهد أن يوفق بين مصالحه الدينية والدنيوية وبين مصالح نفسه ومصالح غيره هو الشاب الذي جعل الله أول جوائزه ألا يحس بطول يوم القيامة ولا بحره لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:” سبعة يضلهم الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله…. شاب نشأ في عبادة الله.” 

2-البكور وقت لمباركة الجهد والعمل وذلك ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: “بورك لأمتي في بكورها”. وقد صار مجربا معلوما أن الساعة الواحدة من الصباح الباكر يحصل فيها من الاستفادة ما يحتاج إلى ساعات متعددة أثناء النهار، وذلك لأن العمل الحاصل فيها يأتي عقب ذكر الله وفترة راحة ويقترن بحالة هدوء.

ومهما أمكن المؤمن أن يخصص البكور، وهو خير أوقات يومه، ليحقق خير المصالح، وهي مصلحة دينه وأمته، فليفعل وليخصصه للتحصيل والتفكير والتخطيط وإنجاز سائر الأعمال التي تتطلب مثل الأحوال المقترنة بالبكور.

3-رمضان فرصة هيأها الله للمرشدين والمحسنين من أجل إرشاد الناس وخدمتهم عسى أن يتوبوا إلى بارئهم ويصلحوا أحوالهم، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين”.وقال: “آتاكم شهر رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل فيه الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرا”. وهذان الحديثان ليسا فقط دعوة إلى أن يزكي المسلم نفسه بنفسه ولكنه دعوة   للمرشدين أيضا أن يغتنموا فرصة كون الشياطين مسلسلة وكون قابلية المسلمين للاهتداء قد كبرت لكي يجتهدوا في تزكيتهم وترقيتهم في دينهم.

4-وقت خطبة الجمعة هيأ الله فيه أسماع المسلمين وقلوبهم للاهتداء والتذكر وإصلاح الأنفس والأعمال بما منعهم أثناءها من اللغو وأوجب عليهم من الإنصات له لقوله صلى الله عليه وسلم: “من قال لصاحبه يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت فقد لغا”.

ومما يندرج أيضا في اغتنام الفرص المتاحة أن يكون المؤمن في انتباه مستمر مما قد يطرأ في زمان الناس من أحوال وما ينفتح فيه من أبواب وما تتيسر فيه من مسالك وما يظهر فيه من أخيار أفذاذ بحيث يكون على موعد مع التاريخ، ويبادر إلى انتهاز الفرصة السانحة واستثمارها بما يعود على الناس بالخير العميم

السادس: عامل كثرة الذكر وإلحاح الدعاء.

      المؤمن الفاعل لا بد أن يكون مع ربه عبدا ملحاحا كثير الذكر، وبهذه الخصلة يستنزل من الله أنواع المدد التي تقتضيها أسماؤه الحسنى فإن الله يرعى من ذكره ويجيب من دعاه ويوفق من رجاه بل لو أن ذكر الله شغل المؤمن عن الدعاء فإن الله عليم بحاجاته كلها ويعطيه أفضل ما يعطي السائلين كما جاء في الحديث القدسي: “من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين”. والذكر إضافة إلى ذلك مطردة للشيطان وقوت للقلب ونور للوجه ويجلب للذاكر معية الله التي تجعله في امتثال أوامر الله كأنه يرى الله فيحسن الامتثال وذلك هو الإحسان الذي عرفه جبريل عليه السلام وأخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، والذكر أيضا يقوي العزم ويذهب من القلب مخاوفه فلا يتردد في إنفاذ ما يراه حقا ومصلحة إلى ما هنالك من فوائد للذكر تفيد خادم أمته ودينه ويحترز بها عن مسالك الإخفاق.

      وكيف يخفق من يبدأ عمله باسم الله وكيف يخيب من إذا خرج من بيته فقال: “بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله” قيل له: “كفيت وهديت ووفيت”، فضمن لنفسه وعمله “الكفاية والهداية والوقاية” وأنعم بها من ضمانات.

      وكيف يحبط عمل من يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وإنما يتعرض للإخفاق من وكله الله إلى نفسه في ذلك وأعرض عن ذكره وترك الاستعانة به والله تعالى لا يكل المؤمنين إلى أنفسهم بل يكون معهم ملهما ومؤيدا ومساندا وميسرا ومباركا وحافظا كما قال تعالى:

“إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون”(النحل 128).

السؤال 18: كلما اقترنت معاملة من المعاملات بخلق رفيع أو أدب جم ازدادت حسنا، فإلى أي مدى نستطيع عدّ مخالقة الناس بخلق حسن عاملا من عوامل الفاعلية؟.

الناس عادة يستحسنون هذا الاقتران بين المعاملة والخلق الحسن، ويزداد إعجابهم بالشخص الذي يجتمع فيه ذلك، لا سيما في الأحوال التي يكثر فيها الفساد والخشونات، ولقد كان لحسن خلق التجار المسلمين أثر في دخول الإسلام إلى بعض البلدان؛ فقد أثار انتباه سكانها الأصليين ما وجدوا فيهم من صدق وأمانة ووفاء وإتقان فعرفوا أن الإيمان والإسلام هو السر فيها.

وستبقى الأخلاق الرفيعة كلها من عوامل الفاعلية ليس في مجال التجارة فحسب، بل في كل مجال، لكنني سأقتصر هنا على ذكر خلقين رفيعين نص القرآن والسنة على فاعليتهما:

أولهما: عامل دفع السيئة بالتي هي أحسن

     إذا كان من الفاعلية أن يضم المؤمن إلى الإسلام والأمة القريب منها وأن يقرب البعيد عنها فإن من أفعل الفاعليات أن يوفق إلى كسب العدو اللدود وتحويله إلى ولي حميم ولا يتأتى هذا إلا الصابر الحليم الذي يقابل السيئة بالحسنة ويعفو ويصفح فهذه فاعلية تحصل بالخلق وحده لا بالمال ولا بالدعوة وفي هذا قال الله تعالى: “ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا”(فصلت 34).

الثاني: عامل الرفق في الأمر كله

      رفق المؤمن الفاعل هو أن يتبع فيما يروم من الإصلاح منهجا نافعا كله لا ضرر فيه لأحد، لأن الإسلام والسلامة قرينان والإيمان والأمان قرينان، فيجعل خطابه وأعماله ومواقفه وطرائق تعامله مع الناس يجعل كل ذلك متسما بسمة الرحمة بهم والشفقة عليهم واللين لهم مراعيا ضعف الإنسان وهشاشته النفسية متجنبا أن يصدر منه ما يعين الشيطان على الناس المعنيين بالخطاب أو العمل أو الموقف متلطفا في إيصال رسالته إليهم مصلحا لأخطاء الجهال بالتعليم  لا بالعقاب ورادا على الإساءات التي ينبغي الرد عليها بلا أي زيادة عليها فيتفادى أن يكون معهم فظا غليظ القلب أو متهجما عليهم أو جارحا لمشاعرهم أو كاسرا لقلوبهم أو محرجا لهم أو عنيفا معهم أو قاسيا عليهم أو خشنا أو صادما أو مزعجا، ويتأكد ذلك أكثر في حق المخالفين له و المسيئين والجهال والضعفاء.

      وكل ذلك يجعله محبوبا مقبولا ويضفي على خطابه أو عمله أو موقفه أو منهجه زينة وطلاوة ويجعل له جاذبية وحلاوة لأن الله رفيق يحب الرفق وجبل الناس على حب الرفق والرفقاء.

      هذا تقريب الرفق الذي تخلق به رسول الله صلى الله عليه وسلم ونوه بفضله وأخبر أن الله يحبه ويحب أهله وأنه يأمر بالتحلي به في كل شيء. فقال “إن الله يحب الرفق في الأمر كله” أخرجه البخاري ومسلم، وقال أيضا “إن الله يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه” أخرجه البخاري ومسلم، وقال “إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه” أخرجه مسلم وقال “من يحرم الرفق يحرم الخير كله” أخرجه مسلم.

 

 

التعليقات

#1ياسين التمنارتي2013-11-19 22:39

شكر الله لاستادنا الفاضل هذه الإشارات الطيبة التي تنم عن معرفة بالواقع مع استحضار مقاصد التشريع.
سؤالي:ألا يمكن القول أننا بثنا نفتقد عوامل الفاعلية ونجدها مغيبة أحيانا لدى بعض المنتسبين للعلم ممن يفترض فيهم أن يكونوا هم أساس الفاعلية والداعين لها ؟ وماهو تشخيصكم فضيلة الدكتور لهده المعضلة ؟ وشكرا على الإفادة.

#2يونس2013-11-20 12:36

موضوع رائع…وفي الصميم

#3مولاي احمد إدريسي2013-11-21 17:06

شكر الله لأستاذناالفاضل وشيخنا المحبوب حسن توجيهه وبديع تأصيله نشهد الله على حبنا لك ولو تفضلت شيخي كيف يصنع من يخاف على نفسه الميل عن الجادة؟ خاصة إذا علم جل ما ذكرتموه وأهميته.

#4عبدالله عسيري القني2013-12-01 12:41

جزاكم الله خيرا شيخنا وأستاذنا على الإشارات والعبارات التي تجعل المؤمن على بينة وبصيرة.
أود مشاركتم أستاذي تدبرا وتأملا في بعض الأحاديث الداعية إلى الفاعلية والتي أرى لو ساهم الوعاظ والأئمة في تبسيطها وبيانها لكنا مجتمع ذا فاعلية.
المتأمل في الحديث الشريف الذي رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)).
فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل مرتبة الأعمال وفاعلية المؤمن تلي الإيمان ومرتبطة به، واستحضار اليوم الآخر سيؤدي لا محالة إلى فاعلية أكثر كما أشار أستاذنا وشيخنا الدكتور زيد بوشعراء

لهذا نفهم لما جعل الإمام البخاري الإيمان قولا وفعلا

كتاب الإيمان باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:” بني الإسلام على خمس وهو قول وفعل ويزيد وينقص”، قال الله تعالى:” ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم”، “وزدناهم هدى”، “ويزيد الله الذين اهتدوا هدى” والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم”، وقوله:” ويزداد الذين آمنوا إيمانا”، وقوله:” أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا”، وقوله جل ذكره:” فاخشوهم فزادهم إيمانا”، وقوله تعالى:” وما زادهم إلا إيمانا وتسليما”.
والحب في الله والبغض في الله من الإيمان؛ وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي:” إن للإيمان فرائض وشرائع وحدودا وسننا فمن استكملها استكمل الإيمان ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان فإن أعش فسأبينها لكم حتى تعملوا بها وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص”، وقال إبراهيم عليه السلام:”ولكن ليطمئن قلبي”، وقال معاذ بن جبل:”اجلس بنا نؤمن ساعة”، وقال ابن مسعود:” اليقين الإيمان كله”، وقال ابن عمر:” لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر”، وقال مجاهد:” شرع لكم من الدين :أوصيناك يا محمد وإياه دينا واحدا”، وقال ابن عباس:” شرعة ومنهاجا :سبيلا وسنة”،”دعاؤكم :إيمانكم” لقوله عز وجل:” قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم”، ومعنى الدعاء في اللغة الإيمان.

#5حسن خلالي2013-12-10 21:30

بداية لقد أحسنت إدارة الموقع صنعا، عندما جعلت هذا الحوار الهام في أكثر من حلقة، حتى يأخذ حظه من التأمل والنقاش، كما أنوه بما يلاحظ في الأسئلة والإجابات عليها من كبير اهتمام بموضوع الفاعلية، وأؤكد أنه لا يمكن للفاعلية أن تنمو وتزداد وتعم جميع أفراد المجتمع، إلا إذا صارت صفة غالبة على أفراده، وتعددت مظاهرها في مختلف مجالات نشاطاته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية.. بحيث تضغط بحضورها المتنوع والظاهر في الأفراد والمؤسسات على كل من يعيش في أحضان هذا المجتمع، ويتيسر عليه أن ينخرط في حركيته ويتماهى مع العام والسائد من خصائصه وصفاته، و في المقابل ترى الفرد الحريص على اكتساب خلق الفاعلية في المجتمع الخامل المتقاعس، يعاني صعوبات شتى، على رأسها فقدان قدوات على درب الفاعلية تعزز ثقته بنفسه، ويتعلم من خلال مقارنة نفسه بها ماذا تحقق له من درجات الفاعلية وماذا بقي عليه أن يسعى ويجد في تحقيقه منها، فلو توفرت فاعلية المجتمع لكانت كافية عن كثير من الكلام الذي لن يصل إلا إلى أفراد معدودين هم من يحبون القراءة والاطلاع، فيقرؤونه ويسمعونه وهم عاجزين عن الانتقال به إلى مجال التنفيذ والتطبيق، لكن عندما تكون الفاعلية ظاهرة عامة في المجتمع فالكل يدركها ويمارسها بقدر معتبر شعر بذلك أم لم يشعر.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.