الأستاذ الدكتور محمد بلبشير الحسني يلقي محاضرة افتتاحية

0

الأستاذ الدكتور محمد بلبشير الحسني يلقي محاضرة افتتاحية  تحت عنوان: “الحوار والمناظرة انطلاقا من التوجيه القرآني”

وذلك في إطار تكريمه بالندوة الدولية التي نظمتها الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية  بتعاون مع المعهد العالمي للفكر الإسلامي وماستر التربية والدراسات الإسلامية، بالمدرسة العليا للأساتذة بتطوان تحت عنوان: ” التربية على القيم الإسلامية ودورها في دعم الحوار والتقارب بين الثقافات والحضارات” خلال يومي  08 و09  محرم الحرام 1434 موافق 23 و 24 نونبر 2012.

خلاصة

  يقتضي الحديث عن هذا الموضوع إثارة قضايا تتعلق بالقيم وفي طليعتها قيمة الإنسان باعتباره مكرما يتحمل مسؤولية الاستخلاف عن الله تعالى من أجل عمارة الأرض وبناء الحضارة واكتشاف مكنوزات المعمور واستثمارها ذالك أن الخطاب القرآني الموجه

  للإنسان يتلخص في الدعوة إلى اكتساب العلم واستعمال العقل والتصرف بما فيه صلاح، وإلى احترام قيم العدل والحق والحرية وكذا إلى التمسك بقيم التعارف والتدافع، وأخيرا إلى الأخذ بالاعتبار السنن الاجتماعية والكونية عبر تاريخ البشر.ذلك أن القرآن يهدي للتي هي أقوم.

 فالقيم المتعلقة بطبيعة الإنسان تصبح أرضية للمعيارية القيمية، إذ تتركز أساسا على آدميته من جهة وعلى استخلافه من جهة أخرى.

 أما القيم القائمة بين البشر فتنبني على المساواة وعلى التواصل والتكامل وهي متعددة، منها القيم الحضارية والبيئية بما فيها القيم المعرفية والفنية والتراثية.

ولم يغفل القرآن عن القيم المرتبطة بعلاقة الإنسان بالمخلوقات الأخرى باعتبار حياة الإنسان رهينة بها وترتكز مصالحه عليها وعلى حسن استغلالها واستثمارها واستصلاحها دون إضرار أو فساد.

والحوار، هو بدوره، وسيلة من وسائل الخطاب الإلهي حيث نبه رسله، وخاصة منهم محمد بن عبد الله، إلى أسلوب الحوار مع أقوامهم، ومع الناس جميعا.

كما نبه المومنين إلى أسلوب التعامل فيما بينهم ومع غيرهم من الناس، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات أو أصحاب المعتقدات والمذاهب المختلفة، على أساس الدعوة إلى الحق والعدل والإصلاح، ونبذ الظلم والجور والفساد(سورة الأنعام 151)( وسورة النحل 125)

والمثل الأعلى في الحوار، نجده، إذن عند المولى تعالى، الذي جعل بينه وبين جميع مخلوقاته حوارا مستمرا على الدوام، (من ) البارز المباشر أو عن طريق الأنبياء والكتب والرسل والموجه أساسا للإنسان، ومنه الخفي الموجه لجميع ما خلق، وعلى الإنسان أن يسعى إلى اكتشاف، من خلال هذه الحوارات، ما جاء فيها من سننه تعالى آياته في خلقه فقد خاطب وحاور الإنس والجن والملائكة، وخاطب الناس جميعا والمومنين، وأهل الكتاب والكفار والمنافقين، وخاطب المخلوقات العجماء من أرض وسماوات ونار ونحل الخ.

وعن البنية الحوارية في القرآن يقول الدكتور يوسف الكلام، أنها بنية نقدية تدعو إلى النظر في كل الأديان والمعتقدات، وإلى الحوار والبحث عن المعتقد الصحيح الموافق للعقل والفطرة، وألا يقلدون بدون علم. وذكر بدستور المدينة الذي وضعه الرسول، عليه السلام، والذي يشهد بحسن التعامل مع المخالف، ويعتبر تقنينا للتعددية الدينية ولسنة الحوار بين الأديان.

        وتحدث الكاتب أيضا عن المناظرات الدينية التي كانت تقام بين المسلمين وأهل الكتاب في عهد الدولة الأموية في المشرق والمغرب وبين المسلمين والفرق المجوسية في عهد الدولة العباسية، فكانت هذه المناظرات وراء تبلور وسائل تدبير الخلاف بين المسلمين وبين أهل الأديان ( “الاختلاف في المجال الإسلامي تأصيلا وتدبيرا”ج1ص362)

  بعد أن استعرضنا بعض مضامين الخطاب الإلهي إلى الإنسان والقيم التي يرتكز عليها، وأسلوب الحوار المتعدد، والداعي إلى العقل والحكمة ونبذ التقليد والهوى، طبقا لما جاء في الكتاب المبين، تنتقل إلى الحديث باختصار عن موضوع الاختلاف في الحوار، تعلق الأمر بالمسلمين فيما بينهم أو فيما بينهم وبين غيرهم، وسواء تعلق الأمر بمجالات الاختلاف الأساسية كالاختلاف العقدي أو الحضاري أو الثقافي، أو بأساليب علاج الاختلاف، على أساس الاعتراف بالآخر والمسالمة والتعارف، والمعاملة الحسنى، علما بأن الاختلاف أمر جبلي وطبعي في الإنسان، وأن نفسية الجماعة تختلف عن نفسية الأفراد.

      وفي المجال التداولي للاختلاف، نجد اختلافا بين المفكرين المعاصرين المسلمين في أسلوب الحوار بين المسلمين وغيرهم _ وسنكتفي بموقف كل من الدكتور إبراهيم مشروح والدكتور طه عبد الرحمان، (ويوجد تفصيل هذا الموضوع بالنسبة لهما ولغيرهما في الحديث المطول فقد جاء في مجلة* الواضحة* التي تصدرها دار الحديث الحسنية في عددها السادس، سنة 2011، بحث قيم للدكتور مشروح بعنوان*مسوغات الانفتاح، في أفق رؤية تعارفية مفتوحة، يرى فيها ضرورة فتح المجال التداولي الإسلامي العربي بما يفضي إلى المشاركة في اللحظة الكونية والانتساب إلى فكر عالمي.

   ثم انتقد الدكتور طه عبد الرحمان حين أثبت موقفه بقوله:”ليس في جميع الامم أمة أوتيت صحة العقيدة وبلاغة اللسان وسلامة العقل مثلما أوتيت أمة العرب”  فقال مشروح “وهذا المبدأ التفضيلي يعتبر في رأينا عائقا معرفيا، بل وعائقا حضاريا قد يتولد عنه صدام عنيف مع باقي الحضارات، وهو ما باتت تتهيبه جميع المجتمعات…”

        وعن موقف المغرب، ملكا وشعبا، في خضم ما يجري حاليا حول حوار الأديان والحضارات، ارتأيت أن أدلي برأيين، أحدهما لأعلى سلطة في البلاد، الملك محمد السادس، والثاني ما أطلق عليه “إعلان الرباط” الصادر عن الندوة الدولية *ندوة تدافع القيم، السياق الدولي والواقع الإسلامي*.

       جاء في الرسالة الملكية لمنتدى أصيلة حول *تحالف الحضارات في الفضاء العربي*قوله: وما فتئت بلادنا تتخذ كل المبادرات، وتنخرط بقوة في كل الجهود الخيرة العربية منها والإفريقية والأيبيرية والأورو متوسطية والآسيوية، إيمانا منها بأن الصدام لا يكون إلا بين الجهالات، أما الحضارات فإن جوهرها التفاعل لما فيه خير الإنسانية جمعاء في نطاق احترام خصوصيات الهويات والثقافات وجاء في توصيات* إعلان الرباط * يؤكد المشاركون على أهمية رعاية الرصيد المشترك للقيم البناءة بين المجتمعات البشرية انطلاقا من أن التعدد الثقافي والقيمي للمجتمعات البشرية هو ثروة يتعين تعهدها من خلال الحوار بين الثقافات والحضارات والتلاقح الايجابي في مجال القيم البناءة والايجابية، ويؤكدون على أن هذا المعنى معنى أصيل في القرآن الكريم وهو قاعدة التعارف بما هو اكتشاف للمختلف وتبادل للخبرات والمنافع والتجارب والقيم البناءة.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.