الدكتور مصطفى بن حمزة
يعرف خبراء الاستمالة والاستهواء ما يمثله التلويح بالحصول على المكسب المالي من قوة جذب واستدعاء للمشاريع المعروضة، فلذلك يحرص الداعون إلى بعض المشاريع الفكرية على استدماج إمكان الحصول على مكسب مالي، وعلى إقناع المستهدف بالخطاب بأنه ضحية ظلم اجتماعي وقع عليه فسلب بسببه حقوقا مالية يجب أن يستردها.
وكثيرا ما أعمل هذا المبدأ في التعامل مع قضايا المرأة على الرغم من أن المرأة قد تعرضت فعلا إلى ظلم اجتماعي مس آدميتها وكرامتها حينما وظفت أنوثتها وسوقت بها كل البضاعات الراكدة، وأمعنت بعض القوانين في مساومتها على اختياراتها من أجل الحصول على حق مشروع، وتدخل الرجال في لباسها، وجعلوا نوعا منه يرتضونه شرطا لازما لولوج بعض المواقع المهنية، وجعلوا قوامها ولونها وابتسامتها المفتعلة رغم ما قد يسكن قلبها من حزن عميق شرطا أساسا في تشغيلها في أعمال لا تعتمد على كفاءتها الفكرية أو قدرتها العلمية، وإنما تعتمد أساسا على أنوثتها وخصائصها الفزيولوجية. وقد كان المفترض أن تكون هذه المظالم هي موضوعَ الدفاع عن المرأة لأنها تمس كينونتها وكرامتها.
لكن البعض صور للمرأة أن ظلمها جاء من أحكام الشريعة، وأن من سطا على حقها هم أقرب الناس إليها، زوجها الذي يمتنع عن منحها نصف ثروته إن هو طلقها من نفسه أو دعته هي باختيارها ورضاها إلى التطليق، وأخوها الذي يرث ضعف ما ترث، وبهذا تسرب التآكل والصراع إلى العلاقات الأسرية، وسعى إلى أن يلغي علاقاتها التراحمية، ومن ثم وجب تقويم حقيقة الدعوة إلى تسوية المرأة بالرجل في الإرث باستعراض مقررات علم المواريث كما هي في مصادرها المتخصصة.
حقائق أساسية يتعين استيعابها لفهم نظام الإرث وتوزيع الثروة في الإسلام.
الحقيقة الأولى
إن توزيع الحقوق في النظام الإسلامي له صلة وثيقة بالوظائف التي ناطها الإسلام بالأفراد وألزمهم بها ضمن نظام اجتماعي عام، لا علاقة له البتة بقضية الكرامة أو الإهانة، فإذا منح الإسلام فردا غير ما منح غيره، فإن ذلك لا يعني أن الله أكرمه أو أن الشريعة انحازت إليه، ويشهد لهذه الحقيقة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم المغانم يوم حنين، أعطى الفرس سهمين وأعطى الفارس سهما واحدا. [ كتاب الخراج لأبي يوسف ص 18 ] ولم يستخلص من هذا التقسيم أن الإسلام يكرم الحيوان ويفضله على الإنسان، لأن المعتبر في تلك القسمة هو توفير تغطية مالية للكلفة التي تتطلبها رعاية الفرس.
إن تفضيل الرجل على المرأة في الإرث في الحالات القليلة التي سأوضحها يقابله جملة تكاليف كلف بها الرجل منها: الإنفاق على الزوجة وعلى الأبناء القاصرين، وتحمل ما يترتب عليهم من الحقوق المالية بسبب اعتدائهم أو إلحاقهم الضرر بالآخرين مما يوجب الضمان في قيم المتلفات والتعويض عن الأضرار، ومنها الإنفاق على الأبوين الفقيرين، وتكفله بإخوته الأيتام القاصرين، في حين أن أخته قد لا يتيسر لها ذلك، لأنها قد تكون مرتبطة بزوج قد لا يقبل أن يضم إليه إخوتها القاصرين، ويضاف إلى ذلك واجبات عديدة ألزم بها الشرع الرجال منها: المساهمة الجماعية في أداء الديات تضامنا في حالة القتل الخطأ، وهو ما يعرف بالدية على العاقلة، وأداء الدية تضامنا كذلك في حالة ما إذا وجد قتيل داخل محلة ولم يعرف قاتله، وهو ما يعرف فقهيا بالقسامة.
على أن التعليل بالإنفاق ليس هو التعليل الأوحد لمنح الرجل أكثر مما تأخذه المرأة في الإرث في الأحوال الخاصة، إذ هناك تعليلات أخرى يمكن إيرادها، ومنها: مراعاة نفسية الأشخاص والأسر التي قد ترفض نقل ملكيتها إلى أسر أخرى لا تحمل اسم عائلة الموروث، وتتكون من أبناء البنت أو الأخت الذين يحملون أسماء آبائهم، فإذا آل الإرث إليهم تصور من سيورث أن ماله سيؤول إلى أسرة أخرى، ولذلك يعمد كثير ممن يحتالون على نظام الإرث في الإسلام من الرجال والنساء إلى تفويت أموالهم إلى أبنائهم الذكور ببيوع صورية أو صدقات وهبات، وهم لا يقصدون بذلك إلا حرمان البنات. وهذا التصرف ليس خاصا بالمسلمين، ويشهد له عند غيرهم أن الكثير من الأسر في أوروبا وغيرها تحافظ إلى الآن على ملكيات عائلية قديمة سواء كانت قصورا أو قلاعا أو أبراجا أو مكتبات أو وثائق أو تحفا أو لوحات فنية أو أوسمة أو نياشين، أو مجوهرات نادرة، أو أسلحة قديمة، أو مؤسسات تجارية. ولو أن المرأة نالت حظها منها لأدخلت في ملكيتها أبناءها الذين قد ينتمون إلى أسر أخرى فينقلون إليها ما ورثوه عن أمهم.
الحقيقة الثانية
إن المساواة التشريعية بين الرجل والمرأة مؤصلة بنصوص عديدة منها قوله صلى الله عليه وسلم: “… إن النساء شقائق الرجال “[ سنن الترمذي أبواب الطهارة باب فيمن يستيقظ فيرى بللا…] ومنها قاعدة أن عموم الخطاب الشرعي يشمل النساء والرجال على حد سواء, لكن من تمام العدل أن تشمل المساواة الحقوق والواجبات معا، أما إذا وقعت المساواة في الحقوق واختلت أو انعدمت في الواجبات، فإنه ليس بالإمكان تحققها أصلا، فلو أن إنسانا قسم مالا على أبنائه الأربعة مثلا، وأعطى كل واحد منهم مائة ألف درهم، لكنه كلف أحد الأربعة بأن ينفق على أمه ويتولى علاجها وحده دون إخوته، فإن هذا التكليف الإضافي تختل به المساواة، ولا تتحقق إلا بأن يعفى هذا الولد من هذا التكليف الإضافي الذي ألزم به، أو يضاف إليه مبلغ مالي في مقابل ما كلف به من أجل أن يغطي به نفقاته. وهذا ما يقع تماما في حالة تقسيم الإرث في الإسلام، فتكون الإضافة في مقابل الكلفة الإضافية.
الحقيقة الثالثة
هي تتلخص في أن توهم التفاضل بين المرأة والرجل في الإرث على أنه قاعدة مطردة هو تصور خاطئ في إدراك نظام الإرث في الإسلام، أو هو إيهام مقصود بتلك الأفضلية المطلقة لتأسيس تصور غير صحيح عن مظلومية المرأة في الإسلام، ذلك بأن الحالات التي يرث فيها الذكر ضعف ما ترثه المرأة في مستواه لا تمثل إلا نسبة 16.33 من مجموع حالات الإرث، ولا صحة مطلقا لكون الذكر يرث ما ترثه الأنثى دائما، والصورة الإجمالية لإرث المرأة مع الرجل هي:
1. أن ترث المرأة نصف ما يرثه الرجل، وذلك في أربع حالات من مجموع حالات الإرث، مع ملاحظة أن ذلك التفاضل نفسه لا يتحقق إلا حينما تجتمع المرأة مع نظيرها الرجل في فريضة واحدة، أما إذا انفرد واحد منهما فإن الأمر مختلف جدا، إذ قد ترث الأخت الشقيقة مثلا أكثر مما يرث الشقيق كما سأبينه.
2. أن تتساوى المرأة مع الرجل في الإرث.
3. أن ترث المرأة أكثر مما يرث الرجل.
4. أن ترث المرأة ويحرم الرجل في درجتها.
الحقيقة الرابعة
لا يوجد في جميع نظم الإرث، أو نقل الأموال من الأموات إلى المستحقين بعدهم نظام تسعد فيه المرأة باستحقاق حظ من المتروك أكثر مما تستفيده في نظام الإرث الإسلامي.
والرؤية العلمية الكاملة والمحيطة بكل جوانب إرث المرأة لا تتأتى من خلال الوقوف في زاوية ضيقة عند صورة جزئية، هي صورة مقابلة امرأة بنظيرها في حالات إرثية محدودة، وإنما يجب موضوعيا ومن باب الأمانة العلمية توسيع مجال الرؤية واستحضار مجموع أحوال إرث النساء ضمن شبكة الإرث، وحينذاك ندرك أن عدد من يستفيد من الإرث من جميع النساء هو أكبر منه في أي نظام ديني أو وضعي آخر، لأن الوارثات من النساء في الإسلام عشر، هن: الأم، والزوجة، والبنت، وبنت الإبن، والأخت الشقيقة، والأخت لأب، والأخت لأم، والجدة أم الأم، والجدة أم الأب، وأمهاتهما.
فإذا قارنا هذا ووازناه بما تستحقه المرأة في نظم الإرث غير الإسلامية أو في تعويضات التأمينات أو الضمان الاجتماعي التي يستحقها ذوو الحقوق بعد موت الموروث لم يكن هنالك وجه للمقارنة أصلا، إذ لا تذكر في تلك النظم أخت لأب، أو لأم، أو جدة لأب، أو لأم أصلا، ولا تستحق واحدة منهن شيئا من التعويضات التي تسلمها صناديق الضمان الاجتماعي بعد وفاة المنخرط، لأن مفهوم الأسرة لدى صناديق الضمان الاجتماعي ينحصر في الزوج والزوجة والأبناء لا غير، ومن ثم لا تنال الأم أو الأخت وغيرهما شيئا، رغم أن المتوفى قد يكون متكفلا بهما، وقد لا تستفيد أي امرأة أخرى من نظام التأمين إذا لم تعتبر متضررة من وفاة المؤمن، وإذا اختار المؤمن أن يصرح باستحقاق شخص آخر غريب عن الأسرة للتعويضات، فإنه يحل محل الوارثين ذكورهم وإناثهم.
وفي نظم دول غربية عديدة تحرص الدولة فيها على عدم تقسيم الأراضي الفلاحية، تفاديا لتفتيتها، فإنها تمنحها من أدلى من الورثة بحجج تثبت أنه كان مشتغلا بالفلاحة، وكثيرا ما يكون الرجال هم الذين يتوفرون على هذه الحجج، فيستبدون بالمتروك.
ومثل هذه الحالة في المغرب حالة وجود ورثة لمن سبق لهم أن استفادوا من الأراضي الفلاحية التي وزعتها الدولة على بعض المواطنين في إطار الإصلاح الزراعي، فإن النظم المعمول بها تقضي بأن يكون المتعاقد معه فردا واحدا، فإذا لم يكن المستفيد قد تملك الأرض رسميا من قبل، فإن اللجنة الإقليمية المختلطة، قد تسند الأرض بناء على تقديرها لأحد الأبناء ممن يفترض فيه أنه أصلحهم، وقد تسندها إلى الزوجة.
وقد نص الفصل 15 من ظهير 7 يناير 2005 المتعلق بتفويت بعض القطع الأرضية الفلاحية أو القابلة للفلاحة من ملك الدولة الخاص إلى مستغليها بصفة منتظمة، على أنه في حالة وفاة الشخص المسلمة إليه القطعة وأموال التجهيز اللازمة لاستغلالها تسلم لوارث واحد من ورثته، ما عدا إذا استرجعت الدولة القطعة طبق الشروط المحددة في الفصول التالية:
وفي حالة استيلاء الرجال على الأراضي السلالية، فقد جرى العرف الظالم بمنع النساء من الاستحقاق لاعتبارات وهمية، وقد كان الأولى بمن يدعم مطالب النساء أن يدعم بالقوة نفسها استفادتهن من الأراضي السلالية، لأنه لا سند من الشريعة لأن يختص الرجل بالاستفادة من الأرض دون أخته، مع أنهما يدليان إلى المتوفى بالسبب نفسه وهو بنوتهما له، وقد استمرأ البعض هذا الوضع وقبل به ثم التفت إلى أحكام الشريعة ليتهمها بالانحياز إلى الرجال، وقد منع البعض من أن يدافع عن حق المرأة أنهم قد امتلكوا قديما عقارات بموجب هذا التقسيم، وبنوا عليها ثروتهم، فعز عليهم التنازل عنها.
الحقيقة الخامسة
وهي تتمثل في أن العشر الوارثات من النساء لهن غالبا حظوظ مقررة من الإرث، وكثيرا ما يكون إرثهن بالفرض أحظى لهن، والفروض المقررة في نظام الإرث في الإسلام هي:
الـ 2/3 وتستحقه بنتان وبنتا ابن والأختان الشقيقتان أو لأب، ولا يستحقه أي رجل مع أنه أكبر الحظوظ، ونسبة استحقاق النساء منه هي 100 %.
حظ الـ 1/2 وتستحقه البنت وبنت الإبن، والأخت الشقيقة، والأخت لأب، ولا يستحقه من الرجال إلا الزوج، إذا لم يكن للمتوفى فرع وارث، وتكون نسبة استحقاق المرأة من هذا الفرض هي 80 %.
حظ 1/3 وتستحقه الأم والإخوة لأم، والأخوات لأم، ونسبة استحقاق النساء 75 %.
حظ 1/6 تستحقه الأم، والجدة، وبنت الإبن، والأخت لأب، والأخت لأم، والأخ لأم، والأب، والجد. ونسبة استحقاق النساء منه هي 62.5 %.
وحظ 1/4 تستحقه الزوجة، والزوج فتكون نسبة استحقاق المرأة 50 %.
وحظ 1/8 تستحقه الزوجة دون غيرها، ونسبة استحقاقها 100 %.
ويبقى حظ الزوجة والبنت والأم محفوظا فلا تحجب واحدة من هؤلاء حجب إسقاط ومثلهن من الرجال الذين لا يحجبون: الزوج، والإبن، والأب. وهؤلاء جميعا هم أقرب الناس إلى المتوفى.
الحقيقة السادسة
وهي أن الشريعة لما حددت حظوظ النساء في الإرث وجعلتها فروضا تخرج من التركة قبل أن ينال ذوو التعصيب ما يفضل لهم، فإنها قد حمت تلك الحظوظ من جهة أخرى، فلم تجز لصاحب المال أن يتصرف في ماله بالوصية إلا في حدود الثلث، ولم تجز له كذلك أن يوصي لوارثه، فإذا أوصى شخص بكل ماله، فإن وصيته لا تنفذ إلا في حدود الثلث، ويعاد الثلثان إلى الورثة إلا إذا أجازوها.
أما في نظم أخرى، فإن بإمكان الشخص صاحب الإرث أن يحرم أبناءه وبناته جميعا، فيوصي بجميع ماله لمؤسسة أو لشخص طبيعي أو لحيوان، وقد لا يكون قصده من ذلك الإيصاء إلا حرمان الورثة ومعاقبتهم لأنهم أهملوه حيا
تسوية المرأة بالرجل في الإرث، فقد أقام دعوته على أن المرأة أصبحت مالكة للمال، وأنها أصبحت منفقة على الأسرة، فزال بذلك مسوغ تفضيل الرجل عليها في الإرث، [ امرأتنا في الشريعة والمجتمع الطاهر الحداد ص 35 و 38 ]
– وبخصوص الحالة المغربية فقد استند الداعون إلى تسوية المرأة بالرجل في الإرث إلى مستندين إضافيين هما: – وجوب تطبيق المساواة بين الرجل والمرأة كما أقرها الدستور المغربي لسنة 2011.
– وجوب تنفيذ مبدأ المساواة الذي نصت عليه المواثيق الدولية ووقع عليها المغرب.
لذا وجب مناقشة كل هذه المستندات وتحليلها تحليلا موضوعيا للكشف عن حقيقتها.
المستند الأول
اعتبار تطور الوضع الاقتصادي للمرأة وإسهامها في الإنفاق على الأسرة سببا داعيا إلى تغيير حصتها من الإرث.
يرسم البعض لوضع المرأة المالي صورة نمطية متوهمة، ترى أنها كانت في الماضي منسحبة عن الحركة الاقتصادية، وأنها كانت فقيرة عالة على الرجل، وبالتالي لم تكن تمتلك المال ولم يكن بإمكانها أن تسهم في الإنفاق على الأسرة، وهو ما اعتبر مبررا لتفضيل الرجل على المرأة بحكم اختصاصه بالإنفاق.
وقد أصبحت هذه الرؤية متجاوزة من قبل باحثين من خارج الدائرة الإسلامية أنجزوا عددا هائلا من البحوث العلمية تناولوا فيها وضع المرأة الاقتصادي والاجتماعي في العالم الإسلامي مثلما تمثله مجموعة البحوث التي شارك بها 23 من المختصين في تاريخ المرأة وصدرت بعنوان المرأة في العصور الوسطى الإسلامية. بإشراف غافنهامبلي عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر.
وأبرزت هذه البحوث مكانة المرأة في المجتمع ودورها في النشاط الاقتصادي والسياسي.
إن القول بانسحاب المرأة من الحياة الاقتصادية يحتاج إلى أن يمحص على ضوء الواقع الاجتماعي الذي عاشته المرأة في المجتمعات الإسلامية، وهو واقع يثبت أن المرأة كثيرا ما كانت في صلب النشاط الاقتصادي، وأنها قد امتلكت المال بسبب استفادتها من الإرث أولا، ومن الوقف، ومن سائر التبرعات، ومن أكرية العقارات، وغلال الحقول التي تملكها، ومن عائد أنشطتها الاقتصادية كتربية المواشي، واشتغالها في مصالح الغير، وقيامها بأعمال النسج والتطريز للأقمشة الفاخرة وللألبسة العادية، ونسجها للزرابي الثمينة واستحقاقها أجرة الحضانة والإرضاع وغيرها من الموارد.
وقد كان للمرأة في المغرب نشاط اقتصادي كبير ومواز لنشاط الرجال، فكانت المرأة تمارس التجارة من خلال عرض المنتجات والأثواب والحلي في البيوت، ولا زالت النساء الدلالات يمارسن أعمالهن بكثير من النشاط، وكان للنساء في بعض مناطق المغرب أسواق خاصة بهن لا يرتادها الرجال، ولهن إلى الآن حرف لا يزاحمهن عليها الرجال مثل نسج بعض الأثواب والجلابيب الأنيقة والفاخرة، وقد تميزت المرأة في المجتمعات الإسلامية بامتلاكها الذهب والحرير دون الرجال، لأن الإسلام يحرمهما على الذكور وهما من أغلى المقتنيات للأسرة، ومن الصعوبة إحصاء المهن النسائية لكثرتها وتنوعها.
وقد ظلت المرأة تحرص على الحفاظ على ثروتها عن طريق شراء الذهب وتجميعه واتخاذه أساور أو عقودا أو قلائد أو أحزمة ذهبية، وكثيرا ما كانت ترغب في إظهار هذه الثروة المتنقلة في المناسبات الاجتماعية، لتثبت اسمها ضمن لائحة النساء الثريات الموسرات.
وبسبب امتلاك المرأة للمال وللثراء في بعض الأحيان، فإنها قد تمكنت من بناء كثير من المساجد ابتداء من مسجد القرويين الذي بنته فاطمة الفهرية، كما بنت أختها مريم مسجد عدوة الأندلس. وفي المغرب مساجد ومبرات وأوقاف كثيرة تبرعت بها النساء، ولا زال بعضها يحمل أسماء النساء المتبرعات، وهذا يدل على أن المرأة كانت مالكة للمال.
وقد استعرض د. عبد الهادي التازي في كتابه المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي أسماء عدد كبير من النساء تحت عنوان المحسنات فذكر منهن أم البنين فاطمة الفهرية وأختها مريم الفهرية والأغلاليةالتنبكتية والبهاء بنت الأمير عبد الرحمن وحبيبة بادو وزليخة زوج المعز بن باديس وزينب ابنة تيفلويت وعبدة بنت المعز والغسانية وخديجة الطرابلسية وعزيزة عثمانة وفاطمة بنت أبي زكرياء، وفضل مولاة أيوب. [ المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي ص 59- 70]
ومن خلال ما سبق يتبين أن تعميم تصور الفقر في النساء ليس سليما. لأن نظام تقسيم الثروة كان لا يمنع من أن ينتقل المال إلى المرأة، وهذا لا يعني أن كل النساء كن غنيات مثلما لم يكن كل الرجال أغنياء أيضا.
وبناء على كل ما سبقن فإن الدعوة إلى تغيير حظ المرأة من الإرث تأسيسا على كونها أصبحت منفقة، ليست سليمة ما دام قد تبين أن المرأة قد كانت منفقة، ولكن على سبيل التطوع، لأن الشريعة لم تسلط الرجل على مالها، ولم تسمح له بأن يجبرها على الإنفاق.
وإذا كانت المرأة حاليا تنفق على الأسرة، وكان ذلك هو واقع الأسر حاليا، ورأى البعض أن ينقله من التطوع إلى الوجوب، فإنه يتعين أولا أن يرسم هذا الوجوب ويثبت بنص قانوني، فتحذف من مدونة الأسرة كل النصوص التي تلزم الزوج وحده بالإنفاق على الزوجة والأبناء، فتغير المادة 102 التي تمنح الزوجة وحدها الحق في طلب التطليق بسبب إخلال الزوج بأداء النفقة الواجبة عليه، ويصير من حق الزوج هو أيضا أن يطالب بطلاقها وتحميلها تبعاته بسبب عدم إنفاقها على الأسرة، كما يجب تغيير جميع أحكام الباب الثاني المتعلق بالنفقة على الزوجة، فيجب تعديل المادة 201 التي توجب على الزوج أداء واجب الإرضاع، ويجب أيضا إعادة النظر في جميع أحكام إهمال الأسرة إذا وجب الإنفاق على الزوج والزوجة معا على حد سواء، وفي تلك الحالة يمكن أن يطالب الزوج زوجته أمام المحاكم بالإنفاق، وإلا فإنها تجبر على ذلك بالإكراه البدني كما يجبر الرجال حاليا حينما لا ينفقون على أسرهم، أما في ما سوى ذلك، وفي حال ما إذا لم تغير هذه النصوص فإن إنفاق المرأة يظل فعلا تطوعيا غير لازم يخضع لمشيئة المرأة إن شاءت أنفقت، وإن شاءت امتنعت، إذ لا وجود لنص قانوني يلزم بالإنفاق، وبالتالي لا يمكن أن يغير حكم شرعي ثابت بوضع غير قانوني ولا ثابت.
ومن متطلبات القول بإلزام المرأة بالإنفاق على الأسرة أن يراعى ذلك حين إبرام العقد، على نحو ما يشترط في الرجل امتلاكه قدرة مالية تمكنه من الإنفاق على الأسرة قبل إبرام العقد. حتى لا يتعرض للتطليق بسبب الإعسار.
ومن مقتضى إلزام المرأة بالإنفاق، أن لا يكون من حق أي امرأة لا زالت طالبة أو عاطلة عن العمل أن تكون زوجة ما دامت غير قادرة على الإنفاق، كما لا يحق لمن تصاب بمرض مزمن أو تعويق جسدي أن تستمر زوجة، لأنها قد لا تستطيع الإنفاق الذي أعفاها الإسلام منه، وأراد بعض الناس إلزامها به. توصلا إلى إلغاء حكم شرعي هو حظها من الإرث لا غير.
إن إلزام المرأة بالإنفاق وربط الزواج بسوق الشغل ليس في صالح المرأة وهو لا يمثل خدمة جيدة تقدم لها، وإنما هو إحراج لها وتضييق لفرص تكوينها للأسرة خصوصا في أزمنة وبيئات ترتفع فيها نسب البطالة، ويكون حظ المرأة منها أوفر.
المستند الثاني
وهو يتمثل في استناد دعاة تسوية المرأة بالرجل في الإرث إلى ما أقره دستور سنة 2011 من جعل المساواة بين الرجل والمرأة مبدأ دستوريا.
وهذا الاحتجاج بالدستور يفرض منهجيا الرجوع إلى نص الدستور ذاته وقراءته قراءة محايدة وغير مجتزأة.
جاء في الفصل 19 من الباب الثاني المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية: أنه يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا الاتفاقيات والمواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب: وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها.
ويعرف الفصل الأول من الباب الأول من الدستور المراد بالثوابت فيقول: تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة تتمثل في الدين الإسلامي السمح والوحدة الوطنية متعددة الروافد والملكية الدستورية والاختيار الديمقراطي.
ومن خلال هذا النص والذي قبله، يتبين أن تطبيق المساواة مرجوع فيه إلى الإسلام أولا، باعتباره أول وأقوى ثوابت الأمة، وهذا يلزم بأن تراعى أحكام الشريعة في تحقيق المساواة، ومن غير هذا، فإن إغفال الجانب الشرعي من إقرار المساواة سيكون انتهاكا صريحا لنص الدستور وإخلالا واضحا بمقتضياته.
ومن قبل أن يتحدث المعاصرون عن المساواة، فقد كان الإسلام حفيا بها فأولاها عناية فائقة إلى درجة يصح أن يقال فيها إن ظهورها فيه كان هو الباعث الأكبر على أن يعتنق المتضررون من اللامساواة هذا الدين ابتداء من زمن النبوة
وبسبب مساواة الإسلام بين الناس اعتنقه العبيد والملوَّنون والمنبوذون في كثير من المجتمعات من أصقاع العالم.
وقد حرر علماء الإسلام القول في المساواة واعتبروها مقصدا من مقاصد الشريعة، فتناول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور المساواة ضمن كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية، وقرر فيه أن تحقيق المساواة مقصد من مقاصد الشريعة، وهي منبثقة عن خصيصة أخرى هي عموم الشريعة، [ مقاصد الشريعة لابن عاشور ص 95]. وأخذا من هذا الأصل تقررت المساواة بين الرجل والمرأة.
لكن ما يغفل عنه الكثيرون أو ما لا يريدون الإقرار به هو أن لتحقيق المساواة في جميع النظم الإنسانية طرائق متعددة، إذ قد تكون التسوية بين الناس تماثلية، وقد تكون قيمية تعويضية، فإذا استحق عدد من الورثة حظوظا من تركة والدهم مثلا، وكان المتروك أشياء متنوعة، منها ما هو أرض عارية أو أرض مشجرة، أو أبنية ودكاكين، أو أموال سائلة، فإن القسمة لا تتأتى بأن يأخذ كل واحد من عين ما أخذ منه باقي الورثة، لأن الحظ الواحد قد لا يتسع لجميع الورثة، وإنما تقوم المتروكات وتقسم إلى حصص، ويأخذ كل واحد قيمة ما أخذه شركاؤه في الإرث بعد المراضاة أو بعد إجراء القرعة، ومثل هذا التقسيم هو ما تتحقق به المساواة في الإسلام وفي غيره من النظم الوضعية، وهو ما تتحقق به المساواة على مستوى الأسرة، فلا أحد أيضا من الرجال أو النساء يأخذ من جميع ما أخذ منه شريكه، وإنما يأخذ قيمة ما أخذ منه الآخر في ما ليس متسعا للاشتراك، ومن خلال تلك القسمة تتحقق المساواة التماثلية طبيعيا.
المستند الثالث للدعوة إلى التسوية بين المرأة بالرجل في الإرث
وهو مستند يتمثل في الإلحاح على ضرورة الانصياع للمواثيق الدولية التي تنص على وجوب إقرار المساواة بين المرأة والرجل، ومنع كل صور التمييز ضدها تنفيذا لمبدأ المساواة الذي نصت عليه المادة 1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وباقي المواد الأخرى الخاصة بالمساواة بين الرجل والمرأة.
وأجد أن من الضروري الرجوع إلى نص الدستور وهو يتحدث عن اعتماد المواثيق الدولية التي وقع عليها المغرب في الفصل التاسع عشر، وقد قيد الأخذ بها أيضا باحترام أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها، ويتعين تفسير هذه الثوابت بما نص عليه الفصل الأول من الباب الأول من الدستور من أن الإسلام هو الثابت الأبرز من ثوابت المغرب.
وإذا أثار البعض قضية التنازع بين القوانين الوطنية والقوانين الدولية، فدعا إلى جعل القوانين الدولية ذات أولوية، فإن هذا لا يطرد دوما، لأن كثيرا من الدول أصبحت ترفع أمام هذه القوانين شعارات الاستثناء الثقافي والاجتماعي والهوية والمصالح الوطنية، وهو ما تمثل في رفض بعض الدول تنفيذ مقتضيات القوانين الدولية بعرض جنودها على محاكم الجرائم ضد الإنسانية. كما تمثل في رفض الالتزام بمقتضيات مؤتمرات الأرض، ومنها: مؤتمر كيوطو، اعتبارا لتأثير الحد من الانبعاثات الغازية على صناعاتها، رغم ما تتسبب فيه من احترار جوي واختلال إيكولوجي له آثار مدمرة على الأرض والإنسان.
إن سر أهمية القوانين الوطنية أنها مظهر للسيادة الوطنية، وهي حصيلة ما تمكن الوطن من إنجازه وتحقيقه بعد طرد المستعمر، وهذه القوانين المتماهية مع الهوية هي في منشئها منبثقة عن فكر الجماعة ومعبرة عنها، وحيث لا تمكن الإطالة، فإني أحيل القارئ على البحث القيم الذي كتبه علال الفاسي بعنوان: علاقة القانون بالأجانب، ضمن كتابه. (دفاع عن الشريعة ص 27 ط دار الكتاب المصرية 2011)
لهذا وجب لفت النظر إلى أن القيم والأخلاق والرؤى الوجودية هي ممتزجة امتزاجا عضويا بالهوية، ولا يمكن المساس بها إلا بالمساس بالهوية والكينونة، فإذا تنادى الناس مثلا إلى وجوب المحافظة على الأشجار التي تشكل مكونا بيئيا أساسيا، وإلى عدم تدميرها إلا برخصة رسمية، فإن من المستحيل منع العالم المسيحي من قطع أشجار السنوبر لإحياء أعياد الميلاد ثم الإلقاء بها خارج البيوت.
إن قراءة الكثير من الوقائع ذات الرموز والدلالات الكثيرة تشير إلى أن العالم في مجمله يولي أهمية كبرى لقيمه، ويعلي من شأنها وإن كانت الخطابات تسير في اتجاه آخر. فقد أبدى الأمريكيون مخاوفهم حينما ترشح باراك أوباما للرئاسيات، وتوجسوا من أن يكون مسلما في عمقه، فصاروا ينبشون في علاقاته العائلية وفي ارتباطاته بوطنه الأصلي لئلا يعتلي كرسي الرئاسية مسلم، مع أن القوانين الدولية تمنع التمييز على أساس الدين، وأرى أنه من المستبعد الذي لا يعبر عنه صراحة، أن يرأس مسلم مركزا لتطوير السلاح النووي في أي دولة غربية، أو يرأس جيوشها أو مؤسساتها الاستخبارية.
ومع الدعوة إلى احترام مبدأ المساواة كما تقررها المواثيق الدولية، فإننا نرى أن من الواجب الدفع في اتجاه إقرار المساواة، وفي اتجاه إقرار استواء الثقافات، وإحلال ثقافتنا ضمن مصادر تأسيس القيم العالمية، بناء على ما تقتضيه المساواة.
وسنكون نحن بقية شعوب العالم سعداء حين تصير المساواة بين البشر واقعا فعليا على مستوى المؤسسات الدولية التي تفرض المساواة وتقننها وتحاكم عليها أولا، وذلك حينما لا يكون من حق دولة واحدة تمتلك حق النقض أن تلغي قرارا اتخذته باقي الدول أعضاء مجلس الأمن، وستكون المساواة واقعا ماثلا حينما يتخلى المجتمع الدولي عن نظام الأعضاء الدائمين والموقتين، وهو نظام لم يقم أبدا على مبدأ المساواة، وإنما قام على أساس إرادة الغالب المنتصر بعد الحرب العالمية الثانية، وظل قائما حتى بعد أن تغيرت الأوضاع العالمية، وبعد ما أصبحت بعض الدول المنهزمة تمثل حاليا قوة اقتصادية عظمى، وحتى بعد ما تراجع حجم ونفوذ بعض الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بسبب تفكك جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا، وستكون المساواة حقيقة إذا لم يستمر إقصاء القارة الإفريقية بأكملها، وبكل كفاءاتها البشرية وطاقاتها المادية عن العضوية الدائمة لمجلس الأمن.
وستكون المساواة حقيقة واقعية حينما لا يقتصر النظام الدولي على جلب السياسيين من الدول الضعيفة دون غيرهم إلى محاكم الجرائم الدولية، وكان بالإمكان أن تتحقق هذه المساواة في العدالة والجزاء، لو لم يفلت من المحاكمة بينوتشي وشارون وآخرون تم تهريبهم لئلا يحالوا على المحاكم، وقد كان بالإمكان أن تتحقق المساواة لولا أن 270 شخصا من ضحايا لوكيربي عوض أهلوهم بمبلغ 10 مليون دولار للفرد، بينما عوضت أسر أفراد قتلتهم نيران صديقة للطائرات الحربية خطأ، وهم يحتفلون بأحد الأعراس بمبلغ 37 دولارا للفرد،
وإن مما يجب لفت النظر إليه هو أن خطاب المساواة لا يتوجه به عالميا إلى باقي النظم ذات الصلة بمقررات الأديان غير الإسلام، فالمسيحية لا تسمح للمرأة بأن تكون على مستوى الرجل في ممارسة الوظائف الدينية، فهي لا ترعى الكنيسة، ولا تشارك في انتخاب البابا رئيس الكنيسة، ولا تكون رئيسة للكنيسة الكاثوليكية، والأمر نفسه يقال عن اليهودية وعن البوذية وغيرهما، ومع ذلك لا يلوح لأهل هذه الأديان بوجوب إقرار المساواة فيما هو شأن ديني لها، لكن الأحكام ذات الصلة بالشريعة الإسلامية هي وحدها التي تتعرض لشتى الهجمات تحت ذرائع مختلفة.
حقيقة إرث المرأة في الإسلام، مستبعدا أن يكون التفاضل هو الأصل المطرد في نظام الإرث، وسأكتفي بإبراز التقسيمات الكبرى فأقول:
لإرث المرأة حالات هي:
الحالة الأولى:
أن ترث المرأة نصف ما يرث الرجل، وهذه القسمة تشمل أربع حالات هي:
أولا: إرث البنت مع الابن وأبنائهما.
ثانيا: إرث الأم مع الأب، إذا لم يوجد أبناء أو متعدد من الإخوة.
ثالثا: إرث الأخ الشقيق مع الشقيقة، والأخت لأب مع أخ لأب، لكن إذا كان هناك إخوة لأم فالأمر يختلف، إذ يرث الإخوة لأم على التساوي بين الذكور والإناث.
رابعا: إرث كل من الزوج أو الزوجة، إذا توفي أحدهما وورثه الآخر.
وهذا التفاضل يتحقق حينما يجتمع الذكر والأنثى في فريضة واحدة، أما إذا انفرد أحدهما فإن الأنثى قد ترث أكثر مما يرث الذكر، لأنها وارثة بالفرض غالبا، بينما يرث الذكر بالتعصيب أحيانا، ومثال هذه الحالة ما لو ماتت امرأة عن زوج وله النصف وأم ولها الثلث وأخت شقيقة ولها النصف فتصح الفريضة من 6 وتعول إلى 8 فتأخذ الشقيقة 3/8، وإذا كان بدل الشقيقة أخ شقيق، فإن الفريضة تصح من 6 يأخذ الشقيق 1/6 فيكون قد أخذ أقل من الشقيقة.
الحالة الثانية:
أن ترث المرأة مثل ما يرثه الرجل.
ومنها إرث الأم مع الأب، إذا كان للمتوفى ولد ذكر، أو بنتان فأكثر، فيرث كل من الأب والأم السدس.
وقد يرث الأب السدس كالأم ولو مع وجود البنت الواحدة، كما لو كان للمتوفاة زوج وله الربع، وأم ولها السدس، وأب وله السدس، وبنت ولها النصف.
ومن صور التساوي بين الذكور والإناث في الإرث، ميراث الإخوة للأم مع الأخوات لأم، فهم يرثون للإناث مثل حظ الذكور.
ومن الصور الشهيرة التي يستوي فيها الذكر رغم قوته وقربه من المتوفى مع الأنثى، إرث الأخ الشقيق مع الأختين لأم فرغم أنه يدلي إلى الوارث بقرابتين هما: قرابة الأبوة والأمومة، لكنه مع ذلك يقاسم الأختين للأم ثلثهما، ولولا ذلك لحرم أصلا لأنه عاصب، فإذا ماتت امرأة عن زوج، وأم، وأختين لأم، وأخ شقيق، فإن الزوج يرث النصف وترث الأم السدس وترث الأختان لأم الثلث فلا يفضل للأخ الشقيق شيء، لكن عمر بن الخطاب ألحقه بالأختين لأم فصار يرث معهما، ويقاسمهما الثلث. وهما دونه في قوة الانتساب إلى المتوفى، ولم يكن للذكورة أي اعتبار.
ومن حالات المساواة بين الذكور والإناث في الإرث أنه إذا انفرد أحد الوارثين الذكور أو الإناث بالتركة، ولم يكن مع أحدهم عاصب، فإن الوارث منهم يرث جميع المال، فيأخذ حظه فرضا، ويأخذ الباقي بما تسميه بعض المذاهب ردا، أو بسبب الرد الذي قررته الدولة المغربية لما تنازلت عن إرث بيت مال المسلمين لفائدة الورثة حسبما جاء في الفقرة 6 من المادة 349 من مدونة الأسرة التي نصت على أنه إذا كان بيت المال منفردا ولم يكن معه وارث فإنه يعصب الجميع، وإذا وجد وارث واحد بالفرض رد عليه الباقي.
لهذا ترث البنت كالإبن جميع المال على التساوي إذا انفرد أحدهما به.
الحالة الثالثة:
وفيها ترث المرأة أكثر مما يرث الرجل، ويعود السبب فيها إلى كون الذكر وارثا بالفرض في ست حالات، بينما ترث المرأة بالفرض في 17 حالة.
والأصل أن لا يأخذ العاصبون إلا ما فضل عن ذوي الفروض.
ومن صورها حالة ما إذا توفيت امرأة عن زوج وله الربع، وأب وله السدس، وأم ولها السدس، وبنتين ولهما الثلثان، فإنهما ترثان أكثر مما يرث ابنان لو وجدا مكان البنتين.
ومن الأمثلة التي ترث فيها المرأة أكثر مما يرث الذكر، حالة ما إذا توفيت امرأة عن زوج وله النصف، وأختين شقيقتين ولهما الثلثان، وأم ولها السدس، فتصح المسألة من 6 وتعول إلى 8 للأختين 4/8 ولكن إذا وجد مكان الأختين الشقيقتين، أخوان شقيقان، فإن المسألة تصح من 6 ويأخذ الأخوان 2/6.
ومن صورها أيضا أن البنتين ترثان 2/3 فرضا، بينما يرث الإبنان تعصيبا في تركتين منفصلتين.
فإذا وجدت بنتان ولهما 2/3 وزوج وله 1/4 وأم ولها 1/6، وأب وله 1/6، فإن المسألة تصح من 12 وتعول إلى 15 تأخذ البنتان 8/15.
ولو وجد مكان بنتين ابنان فإن أصل المسألة تصح من 12 ويأخذ الإبنان 5/12.
الحالة الرابعة:
وهي حالة ترث فيها المرأة ويحرم فيها الذكر نهائيا، كما في مثال ما لو ماتت امرأة عن زوج وأخت شقيقة وأخت لأب، وهي عاصبة مع الشقيقة، فيكون حظ الزوج النصف وحظ الأخت الشقيقة النصف وحظ الأخت لأب السدس، وحيث إن الفريضة فيها النصف و النصف وهما يستغرقان الفريضة، وفيها أخت لأب وحظها السدس، فإنها تعول من 6 إلى 7 فيكون للزوج 3 من 7 وللأخت الشقيقة 3 من 7 وللأخت للأب 1 من 7 وبهذا يدخل النقص على جميع الفروض وهو ما يسمى بالعول. ولا تحرم الأخت لأب.
لكن إذا وجد في الفريضة أخ لأب بدل الأخت لأب، فإنه لا يرث شيئا لأنه عاصب، ولم يفضل له شيء فيرثه، فتكون الفريضة هي حظ الزوج وهو النصف والأخت الشقيقة وهو النصف فأما الأخ لأب فإنه عاصب لا يرث شيئا، لأن التركة مستغرقة بحظ الزوج والأخت الشقيقة. وبهذا يحرم الأخ لأب بينما ترث الأخت لأب.
وفي حالة ما إذا وجدت بنت ابن مع البنت، فإنها ترث السدس تكملة للثلثين، وإذا وجد مع البنت ابن ابن، فإنه لا يرث لأنه عاصب. وإذا توفيت امرأة عن زوج وله 1/4 وأم ولها 1/6 وأب وله 1/6 وبنت ولها 1/2 وبنت ابن ولها 1/6 فإن المسألة تصح من 12 وتعول إلى 15، ولو كان مكان بنت الإبن ابن ابن لم يرث لأنه عاصب، ولأن التركة استغرقت قبله.
وفي حالات ميراث الجدة، فإنها قد ترث إذا كانت جدة صحيحة بأن لم يفصل بينها وبين المتوفى وارث ذكر، بينما يحرم الجد إذا فصل عن الميت بأنثى، مثل أن يكون أبا للأم.
ومن صور هذه الحالة إذا وجد جد هو أب أم، وجدة هي أم أم، فإن الجدة ترث، ويحرم الجد لانفصاله عن المتوفى بأنثى. وفي هذه الحالة يكون الجد الذي حرم هو زوج الجدة التي ورثت.
هذه بعض حالات يتبين من خلالها أن إرث الرجل ضعف إرث المرأة ليس على إطلاقه، وإنما له حالات قليلة جدا، فلا يجوز أن تعمم وتعتبر هي الأصل، وإن من الأمانة العلمية أن تقدم الصورة كاملة عن إرث المرأة ليتسنى بعد ذلك استخلاص أحكام شاملة، ثم بناء مواقف صحيحة على أسس معرفية، وحتى لا يؤدي التعميم إلى الخلط، وإلى إطماع الرجال بأنهم يرثون ضعف إرث المرأة في كل الحالات.
ومهما يكن فإن المرأة بين أن تأخذ بإرث، حددته لها الشريعة، وأنصفتها فيه، أو تأخذ بنظم دينية أخرى لا تورث المرأة إلا إذا انعدم الذكور، أو تأخذ بنظم وضعية قد تسمح بحرمانها بوصية من الموروث، أو بقوانين توزيع الأراضي الفلاحية أو بقوانين أخرى كقوانين التأمين، وسيكون الاختيار الأوفق الذي تسعد به المرأة، لأنه الأحظى لها هو اختيار نظام الإرث الإسلامي، ولأنه يوسع من عدد النساء المستفيدات، ولأنه يضبط الإرث بما سبق عرضه وبيانه، ويجعله في منأى عن تدخل البشر الذي قد تستخفه الأهواء فيجنح ويحيد عن الصواب، أو تذهب به الآراء إلى الحد الذي سول له أن يجعل الدولة هي الأخرى وارثة، وقد تنال أكثر مما يناله الورثة الحقيقيون، وهذا ما أدى إلى تهريب الأموال ونقلها إلى دول لا ترتب ضرائب فادحة على التركات، وهي الحالات التي تكرر وقوعها بانتقال بعض الألمان إلى سويسرا فرارا من إرث الدولة.