ذ.عبد الحق لمهى
ونحن في هذه الحياة نكابد من أجل تحقيق أهدافنا ونبذل وسعنا في سبيل ذلك، لا شك أنه تعترضنا بعض الموانع التي تحول دون بلوغنا ما نصبو إليه، فكيف يمكننا مواجهة مثل هذه الصور؟ .
رأى النبي عليه السلام رؤيا في منامه أنه سيزور البيت الحرام، فأخبر أصحابه بذلك فتحمسوا وتجهزوا للسير، وبينما هم في الطريق الى الحرم المكي إذا بالمشركين يتعرضون سبيلهم ويمنعونهم من بلوغ هدفهم.
وكان ما كان من أمر النبي مع المشركين فوقع الصلح بينهم على شروط معلومة في بنود صلح الحديبية.
لقد فقد النبي عليه السلام تحقيق أمنيتهم بزيارة المسجد الحرام وأداء مناسك العمرة فيه، ولكنه لم يفقد قيما أصيلة ظهرت من خلال هذا الحدث، وهي: الوفاء والمرونة واللين، والحكمة والتبصر قبل اتخاذ القرار، وتدبير النزاع بينه وبين الخصوم بالتفاوض الذي أسفر عن حقن الدماء، وبذلك كان مقدمة لتحقيق هدف أسمى مما كان يريده الرسول عليه السلام.
لئن لم يدرك النبي عليه السلام بغيته، وهو النبي المؤيد بالوحي، فلا غرابة في أن يقع ذلك في حياة الإنسان المسلم الذي تصدر أفكاره من تلقاء عقله الخالص من غير وحي يوحى إليه وإن كانت يسترشد بالوحي المنزل على محمد عليه السلام.
إن المسلم المعاصر وهو يقتدي بسيد الخلق عليه السلام، يفهم أنه قد يحصل في حياته فوات تحقيق أفكاره، أهدافه، مشروعه ورؤيته، برنامجه وخططه، وقد يفقد مواقع كان يحتلها من قبل لسبب من الأسباب، ومع ذلك فهذا لن يكون مبررا للعدول عن جملة مبادئ وقيم تكون هي صمام الأمان من أجل غد أفضل، هذه القيم ليست سوى ما ذكرناه قبل من القيم والقواعد التي اعتمدها الرسول عليه السلام في صلح الحديبية، فيتمسك بالوفاء بكل تجلياته قولا وفعلا، ويحرص على الحكمة والمرونة فيما يعرض له من نوازل في الحياة، كما أنه يجعل من التفاوض مسلكا يتخلق به في جميع خلافاته.
فإذا تمثل الإنسان المسلم تلك القيم السالفة الذكر، يقينا سيدرك من أهدافه ما يطلبه وزيادة وهل الرسول عليه السلام إلا كذلك.
إن سيرة النبي عليه السلام معان متجددة ما بقيت السماوات والأرض، ولو فرض خلو السيرة من معان لتحقق فيها أنها ليست سيرة نبي صاحب رسالة ممتدة في الزمان والمكان.
وأخيرا لا يمكننا اليوم أن نفهم تلك المعاني المتجددة ما لم نتأمل أحداث السيرة النبوية ونحاول التفاعل من خلالها مع مستجدات العصر التي تتقاطع وحياة النبي الإنسان الرسول الهادي البشير النذير.