نعيش اليوم على إيقاع متسارع لتفشي ظاهرة اغتصاب الفتيات والأطفال، ظاهرة غريبة عن المجتمع المغربي، المتسم بتمسكه بقيمه الدينية، وتقاليده وأعرافه الثقافية والاجتماعية …
وهي ظاهرة تنتشر أكثر بين شباب وشابات، غزت مجتمعنا في منازله ومدارسه، ونواديه وشوارعه، في بواديه وقراه ومدنه، نتيجة كثرة الاختلاط، وعدم مراعاة آدابه وقيمه، خاصة في فترة المراهقة وما تتميز به من نزعة نحو التمرّد، وصراع مع المحيط الأسري، وعدم انتظام العمل المدرسي، وميل إلى التشويش وإحداث الشغب، وعدم البوح بالأسرار إلى الوالدين، والكذب والسرقة أحيانا، وبروز الميولات الجنسية، والمبالغة في العناية بالمظهرالخارجي(مرحلةالمرآة)؛ حيث يبني المراهق عالمه الخاص ويبدأ في البحث عن الاعتراف والسند، والاحتجاج على القيم العائلية والاجتماعية ورفضها، وتبني الأفكار الفلسفية والإيديولوجية، واتخاذ قدوة للتماهي والمحاكاة، وكثرة النقاش والجدل، ووضعكلّالقيم والمؤسسات موضع الشك والنقد والتصرّف على شاكلة الكبار وتغيرات واضحة في المزاج والسلوك، واللامبالاة والثورة تجاه المجتمع، وبروز النزوات الحادة والمضادة لقيمه…
ففي الوقت الذي نجد فيه شريعتنا السمحة تقيد كل الأنواع والسبل والعوامل المثيرة للغرائز والمؤدية إلى الاغتصاب، من تبرج وتحرش وإطلاق الحواس والجوارح فيما نهى الله عنه، وكثرة الاختلاط….وقاية لشاباتنا وشبابنا من الوقوع في مغامرة المراهقة وتجاوز ضغوطاتها، من خلال تنمية وترسيخ منظومة من القيم الأخلاقية الإسلامية الهادفة إلى تمنيع وتحصين المراهقين والمراهقات، وإكسابهم مبادئ وأخلاقيات لمدافعة تلك الضغوطات والإكراهات، وتجاوز فترة المراهقة بعفوية وسلاسة وبراءة، عبر التربية على العفة والقناعة والكرامة وعزة النفس واحترام المرأة أما وبنتا وأختا وزوجة … انطلاقا من مجموعة من النصوص مثل: قوله تعالى في سورة الإسراء آ 32 : “ولا تقربوا الزنا، إنه كان فاحشة وساء سبيلا ” . وقوله تعالى :” قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا۟ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ وَيَحْفَظُوا۟ فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُل لِّلْمُؤْمِنَـٰتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـٰرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ، وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ….” (النور آ 30 – 31 ) ، وقوله سبحانه : ” وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ …” ( النور 33 ) وقوله صلى الله عيه وسلم فيما رواه عنه عبد الله بن عمر رضي الله عنه: ” أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا”(سنن ابن ماجة،كتاب الفتن، باب العقوبات). وعن أبي هريرة رضي الله عنه فيما أخرجه الحاكم في المستدرك. قال: ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم، …”…..
نجد في مقابل ذلك من يحاول السيطرة والتشويش على عقول وأفكار ناشئتنا من فكر علماني ليبرالي ذي توجه مخالف لقيم المجتمع الاعتقادية والأخلاقية والثقافية… بالتركيز على التشجيع على أقراص منع الحمل، والعازل الطبي الموضوع رهن إشارة الجميع على واجهة الصيدليات، والتشجيع على استعماله من طرف منظمات وجمعيات معينة، وكذا من خلال جعل المراهق يتماهى مع الصورة الإيجابية المقدمة له عن الحرية الفردية للمراهق، حريته في تفكيره وتبني قيمه، حريته في جسده وكيف يمكن التعاطي معه، حرية في الاختلاط وعدم تقييدها بأي نوع من الرقابة الذاتية أو الخارجية (رقابة الضمير ( الدين – الأسرة – السلطة – القيم والأعراف …)؛ وتصريف تلك الأفكار والتوجهات على مستوى الكتب والمدونات والمواقع والقنوات الإعلامية، وكذا على مستوى الرياضة والفن والمسرح والسينما …حيث ظهر منا ومن أبناء جلدتنا من لا يجد حرجا في التعري على خشبة المسرح باعتباره إبداعا، ومن لا يخجل من نفسه وهو يصرح بأنه يشجع بناته على ممارسة الجنس في إطار الصداقة باعتبارها حرية شخصية… حتى أصبحنا نشاهد شبابا وشابات بين السطوح والشرفات، في زوايا الأزقة والطرقات، في المقاهي والحدائق والغابات… ليلا ونهارا، في خلوة تامة أحيانا، يمارسون حريتهم الفردية، دون حراسة أو معاكسة أو محاصرة لشرطة الأخلاق والآداب والقانون، وأحايين كثيرة مع الانتشاء بأنواع التدخين والمخدرات والأقراص …تحت شعارات ليبرالية : دعه يمر، دعه يمارسحريته، يمارس تجربته، يكتشف ذاته، يفعل ما يشاء وبمن شاء …إنه حر، وإنها حرة… لنقع في قول شاعرنا:
( نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء )
فتبليغ عن الاغتصاب، أو التستر عن الإجهاض، أو الانتحار أو ، أو ، أو…..فرفع للشعارات…
ولتكون النتيجة في النهاية ما نسمعه ونعيشه ونقرأه من كثرة الأجنة الملقاة على قارعة الشوارع ومطارح النفايات، وأمام المساجد والبيوتات، خوفا وتقية من وصمة العار، و تهربا من ثقل المسؤولية، كما نجد تحدي ظاهرة الإجهاض الذي يرتكب سرا أو الذي يراد له أن يكون علنا، ومع ذلك تسعى بعض الأصوات لفرض إباحته،ورفع كل القيود أمام ممارسته علانية. رغم الضمانات الشرعية والدستورية والقانونية …مما يجعل الحق في الحياة ما يزال معرضا للعديد من التحديات، إضافة إلى كثرة الأمهات العازبات اللائي قد يجدن من يساعدهن، ويخفف من معاناتهن، لتسهل عليهن عملية العود والاحتراف، ويشجع على تكثير الموارد والمريدين … كنتيجة طبيعية لظاهرة الاغتصاب، كما نلاحظ ازدياد عدد التبليغ عن المغتصبين؛ بل هناك من يتخذها وسيلة للشهرة أوالابتزاز أو دفع تهمة المشاركة… وهنا تختفي الحرية والإرادة والحق في التعبير والتصرف في الجسد والمشاركة والتشارك … و يكون المتهم الوحيد هو الشاب، الفتى، الرجل، الذكر الذي مارس الإكراه أو التغرير أو الإغراء… مما يتيح لهواة حقوق الإنسانوالمرأة والقاصرات الاتجار بها، فرصة للركوب، وخير مورد لإفراغ حمولتهم القيمية ضدا على الأخلاق والدين والشرع والمشروعية، وروح الوطنية والمواطنة، ودعم ذلك بالاستقواء بالمنظمات والجهات الممولة؛ لإبراز جهودها واجتهادها، وتلميع صورتها أمامها، طلبا للمزيد من الدعم والامتيازات..
إنها في الحقيقة اختلال في الموازين والقيم، وقصور في المنظومة التربوية، واستقالة للأسرة، وغياب للوازع الديني والغيرة الوطنية، وتدافع قيمي، وإفراط في التماهي مع العولمة والكونية والنجومية، وتفريط في الهوية والخصوصية؛ مما يطرح أكثر من تساؤل:
– كيف يمكن ترسيخ سبل ودعائم الوقاية من الاغتصاب، بدل استغلال نتائجه ومظاهره المسيئة للمجتمع والوطن وقيمه ؟
– ألا يمكن تحميل الأسرة ( الوالدين والأولياء) مسؤولية تقصيرية عن مراقبة وتتبع أحوال القاصرين، والتواصل معهم، ومساعدتهم على ضبط سلوكهم ووقتهم ورغباتهم …؟
– ما دور المدرسة، والأسرة، والإعلام، وجمعيات المجتمع المدني، في الوقاية من الاغتصاب ؟
– لماذا تعجز التشريعات والقوانين والمظاهرات والشعارات عن الحد من ظاهرة الاغتصاب ؟
– كيف يمكن الموازنة بين ممارسة الحرية، والانضباط للقوانين والقيم والأخلاق؟
– ألا يمكن أن يكون الرجوع لشرع الله، من خلال التزام مبادئه وقيمه، في التواصل والتعارف والاختلاط والسلوك في الأسرة والمدرسة والشارع والإعلام والفن والرياضة … خير علاج وملاذ لوقاية أبنائنا وبناتنا من مغامرة المراهقة ؟
{jcomments on}